من يُوقِف هذا الثأر المجنون..؟!

أنور الهواري الأحد 24-05-2015 21:30

نحنُ- فى الإعلام- علينا أن نتوقف عن استخدام مفردات الثأر والانتقام، فليس من الحكمة بعد كل عملية إرهابية أن نكتب المانشيتات الكبيرة: الجيش يثأر، أو الدولة تثأر، أو الشرطة تثأر.

فكرةُ الثأر هى التى تجعل الإرهاب إرهاباً، هى التى تجعل منه عنفاً دموياً خارجاً على الشرع والقانون والأخلاق والضمير، وليس من العقل أن تنزلق الدولة ومؤسساتها إلى الدرك نفسه من الاستجابة للانفعالات والغرائز، الإرهاب هو الخروج على القانون باستخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية، أما الدولة فهى الالتزام بالقانون، وبسط سلطة القانون. الدولة هى العدالة أو هى إقامة العدالة، كل المواطنين عندها سواء، وكل الدماء عندها سواء، وظيفتها هى حقن الدماء، وواجبها هو إقامة العدالة على من يسفك الدماء فى إطار القانون دون سواه.

الثأرُ لن يتولد عنه إلا ثأرٌ مضاد، وكل دم سوف يتعطش إلى دم جديد، وكل أسرة حزينة سوف تتبعها أسرة أخرى فى سراديب الحزن المتواصل، كل فقيد- مهما كان اسمه أو وظيفته- هو غال عند أهله وناسه، وكل دم- مهما كان صاحبه- له عصمة وقداسة إلا بسند من القانون أو الشرع فى قصاص عادل مُطمئن.

فهذا محام شاب يموت، تحت التعذيب، فى أحد أقسام الشرطة.

تتكون مجموعة سرية من أجل الانتقام من رجال الشرطة.

هذه المجموعة تعلن تبنيها لاغتيال عقيد شرطة كان يعمل فى القسم الذى مات فيه المحامى.

الشرطة تتوصل إلى اعترافات تتهم طالب هندسة بعين شمس، يؤدى امتحانات نهاية العام فى الفرقة الرابعة.

يلقى الطالب مصرعه، وهذا هو المؤكد، مات يعنى مات، لكن تتعدد الروايات فى الكيفية التى قادته إلى مكان وساعة وطريقة موته.

المؤكد الوحيد هو: موت المحامى تحت التعذيب، موت عقيد الشرطة بالرصاص، موت الطالب برصاص الشرطة.

فى الحالات الثلاث: مات من مات، دون تحقيق، دون قضاء عادل، فقد حياته، فقدته أسرته، لا فرق بين أحزان وأحزان، فكل الأحزان سواء، هذه الأحزان لا تقف عند حدود الأسرة والعائلة، بل تمتد إلى كل شرائح المجتمع.

نحن فى ظرف استثنائى، يستدعى منا أن نتحلى بالقدر الأكبر من المسؤولية والرشد والحكمة، فهؤلاء جميعًا، المحامى، رجل الشرطة، طالب الهندسة، هم أبناؤنا، هم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، والقانون، وفقط القانون، هو من ينصف المظلوم من الظالم، وينصف المقتول من القاتل، القانون كسلطة عامة واجبة الطاعة على كل من يندرجون تحت سلطته من المواطنين.

نحن مازلنا فى أولى درجات الهبوط إلى مستنقع الثأر، عندنا الفرصة لإيقافه، عندنا الفرصة لإنقاذ المجتمع من عواقبه الوخيمة، الثأر رِدّةٌ صريحةٌ على دولة القانون، بمثلما الإرهاب عدوانٌ صريحٌ على سلامة المجتمع وعلى مؤسسات الدولة.

ليس من البطولة أن ننحاز إلا للحق، إلا لدولة القانون، إلا لفكرة العدالة.

آخرُ الكلام: سوف نواجه المزيد من العنف والإرهاب، ومن الحكمة أن نجفف منابعه ولا نزيد منها، ننتصر على الإرهاب إذا اعتصمنا بحبل القانون، وينتصر علينا الإرهاب إذا استعملنا معه المنطق نفسه الذى يعمل به، المنطق الأعمى الذى يبرر به لنفسه إزهاق الأرواح البريئة أو إراقة الدماء المعصومة.