«الفيلول» يا ملك الزمان.. مسرحية عبثية من فصل واحد

جمال الجمل السبت 23-05-2015 21:33

في عام 1996 اختارت اليونسكو كاتبا من بلد يحرقونه الآن لكتابة كلمة الاحتفال بيوم المسرح العالمي، كان الكاتب على حافة الموت يعاني من مضاعفات متأخرة لمرض السرطان، وكانت الكتابة هي أهم دوافعه للتمسك بالحياة.

فجأة سأله أحدهم لائما: لماذا تواصل كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر المسرح وتنحسر حياتك نفسها؟

رد متألما: «لأن التخلي جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وهذا قد يعجل بموتي»، واختتم الكاتب السوري سعد الله ونوس رسالته التي ترجمت إلى معظم لغات العالم قائلا: «إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».

رسالة ونوس لا تقتصر على المسرح، لكنها تمتد إلى كل حلم، وكل هدف، وكل حب يسكن روحنا، لذلك يمكنكم استبدال الكتابة بأي فعل آخر، وأي هدف تحلمون بتحقيقه: العدل، الرخاء، الديمقراطية، النهضة، مصر العظيمة اللي قد الدنيا.

كل هذه الأحلام قد لا تتوفر مقوماتها على أرض الواقع، لكن هذا لا يعني أن نستسلم لسرطان اليأس، سنقاوم بالأمل، ولن نعترف بأن الهزيمة التي نعيش فيها هي نهاية التاريخ.

ونوس الذي تعلم في القاهرة، وشرب من النيل، وأحب العامية المصرية، لا تزال شخوصه تتحرك حتى اليوم على مسارحنا، وفي حياتنا الواقعية أيضا، فالحزب الوطني مثلا ظل يلعب دور البطولة في مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» التي تحكي عن الملك المبارك الذي ربى فيلا في حديقة القصر، لكن الفيل كبر وتضخم وشعر بالملل داخل أسوار السلطة، ولأن الملك كان يعتبر الفيل مثل ابنه، فقد سمح له بالتنزه في المدينة بلا قيود. بدأ الفيل بالمشاركة في الدورات الرمضانية لكرة القدم، ثم شارك في كل شيء بعد ذلك.. البنوك، المصانع، الشركات، ولم يترك حتى قهوة المعلم.

التف المنافقون حول الفيل، وزاد بطشه، فأهلك الزرع والنسل، وقطع الأرزاق، وسرق الزوجات، وداس الناس في الطرقات حتى ضجوا بالشكوى فيما بينهم، وصرخ المثقف زكريا قنديل: «كفاية».

سأله الناس: كفاية إيه؟

قال: كفاية ظلم، كفاية فقر وضرائب وأمراض وفساد.

رد واحد من الناس: ربما لا يعلم الملك ما يفعله فيله فينا، واتفقوا على الشكوى للملك آملين أن يرد أذى الفيل عنهم، بدأ قنديل يدرب المحتجين على الأسلوب الذي يرفعون به الشكوى أمام الملك، بحيث تكون كلماتهم موحدة وطلباتهم محددة، واتفق قنديل أن يبدأ الكلام قائلا: الفيل يا ملك الزمان. فيردد الجموع المظالم: قتل خالد سعيد/ داس محمد الجندي/ سرق أراضي العباد/ احتكر اقتصاد البلاد/ ينشر الموت إذا بان/ جعل الرعية بلا أمان/ إلخ.

بعد أن حفظ الناس الكلام طلب قنديل مقابلة الملك بعد أن تقرب منه في احتفالات التنصيب، وعند القصر عاملهم الحراس بازدراء، وعندما دخلوا من الباب ظهر عليهم الارتباك والرهبة، وكلما تقدموا خطوة زاد الخوف، وانطفأت الحناجر، وطؤطئت الرؤوس.

وعندما دخلوا البلاط سألهم الملك: ماذا تريد الرعية من ملكها؟

قال قنديل حسب الاتفاق: الفيل يا ملك الزمان!

ولم ينطق أحد، فقال الملك: وما خبر الفيل؟

التفت قنديل خلسة نحو وفد المظالم وهو يردد: الفيل يا ملك الزمان!

قال الملك غاضبا: تكلم.. ما خطب الفيل؟

التفت قنديل نحو الناس، وقد عزم أمره على النجاة بنفسه فقال للملك: الفيل بحاجة لزوجة تخفف وحدته وتنجب عشرات، بل مئات الفيلة!

قهقه ملك الزمان وهو يقول: كم أنا محظوظ برعيتي، هيا اعملوا تفويض لتزويج الفيل.

هكذا استمرت دولة الفساد، وأمر الملك بتعيين زكريا بكري قنديل لخدمة ورعاية الفيل، لكن ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ، فنحن لا نزال محكومون بالأمل، عندها سينطق الواجمون، ويفيق المنبهرون الخائفون المرتبكون المخدوعون ويستعيدون شجاعتهم لردع الفيل.

tamahi@hotmail.com