أخيرا وجدت حكومتنا الرشيدة حلاً لمشكلة الإرهاب، والحد من عمليات حصده المستمر لأرواح القضاة والشرطة والجيش. يتلخص الحل الذى تفتق ذهن المسؤولين عنه أخيرا فى حث المستهدفين من القضاة على الانتقال من مقار سكناهم إلى أماكن أكثر أمنا من الأماكن التى يسكنون فيها حاليا، للتخلص من خطر مطاردة الإرهاب لهم. ولعل صاحب هذا الاقتراح العبقرى كان يقصد انتقال القضاة للسكن فى معسكرات الجيش أو أقسام الشرطة أو حتى داخل الأسوار المنيعة لأحد القصور الرئاسية. هذه هى الأماكن المفترض فيها أن تكون أكثر أمنا لسكنى القضاة أو ضباط الشرطة. وأقول إنه كان من المفترض، لأن الواقع يقول إنه حتى تلك الأماكن لم تعد هى الأكثر أمناً.
بل أصبحت الأكثر خطراً بتعرضها الدائم لهجمات الإرهابيين. فأكثر ضحايا الشرطة كانوا فى الأماكن الأكثر تحصيناً من غيرها. ولعل تفجير مديرية أمن الدقهلية وبعدها مديرية أمن القاهرة. وسقوط الضحايا خلف أسوارها المنيعة كان دليلاً دامغاً على قدرة الإرهابيين على اجتياز الموانع والتحصينات وصولاً لأهدافهم الدنيئة. ومن جهة أخرى كان دليلاً دامغاً أيضاً على عجز الأجهزة الأمنية عن توفير الحماية حتى لأفرادها. فما بالك بتوفير الحماية لغيرهم؟!
لم يعد هناك مكان فى طول البلاد وعرضها بمنأى عن خطر الإرهاب. وذلك إما بسبب التقصير أو القصور. وما بين التقصير والقصور نرى الإرهابيين يكسبون أرضاً جديدة كل يوم. حتى كادت الأرض تنحسر تحت أقدامنا. لنجد أنفسنا فى نهاية المطاف معلقين فى الهواء!
وليس هناك دليل على انسحاب الحكومة وتقهقرها أمام الإرهابيين وترك الأرض لهم من التفكير فى نقل محاكم العريش إلى الإسماعيلية. وكأن الإسماعيلية أكثر أمنا من العريش؟ وإذا أقدمت الحكومة على هذه الخطوة- ونرجو ألا تقدم- حتى لا يكون ذلك اعترافا بهزيمتها فى سيناء وانتصار الإرهابيين عليها. كما سيكون ذلك أول راية بيضاء ترفعها الحكومة فى وجه الإرهابيين ونخشى أن تتلوها رايات أخرى.
لا شك فى أن طلب الحكومة نقل القضاة من أماكن سكناهم إلى أماكن أخرى، أو نقل محاكم العريش إلى الإسماعيلية، هو بمثابة اعتراف صريح بعجزها عن توفير الحماية لنا وإقرارها بتقصيرها- أو قصورها- فى أداء مهمتها. لتمنح بذلك فرصة ذهبية للإرهابيين لإعلان انتصارهم على الملأ، كما يضعف- فى الناحية الأخرى- من عزيمة المقاومين ويحط من همتهم.
ليكن شعارنا «لا تراجع ولا استسلام»!