إذا كان قد بدأ الحلم في تحقيق إمارة غزة تحت حكم حركة حماس بـ«إشاعة»، فلم يعد من المستحيل أن تصبح حقيقة واقعة، خاصة إذا كانت إسرائيل تدفع بقوة في اتجاه هذا الحل المثالي بالنسبة لها، إسرائيل بدأت تحيي مشروعا تم وأده في مهده بسقوط حكم الإخوان، حينما وافق عليه الرئيس المعزول محمد مرسي أثناء حكمه؟
عادت إسرائيل الآن لتطرح على حماس مسألة توسيع قطاع غزة من جهة شبه جزيرة سيناء المصرية، وفق طرح الحلول غير التقليدية وهو الملف الذي سبق أن طرحته إسرائيل من قبل مع الإخوان، واتفق التنظيم الدولي مع إسرائيل على إقامة دولة غزة الكبرى على جزء من الأراضي المصرية في سيناء.. وتضمنت الخطة التي حظيت بموافقة إخوانية وقتها توسعة قطاع غزة حتى حدود مدينة العريش بعرض 40 كيلومترا على ساحل البحر ومنح أراض أخرى لدولة غزة، مقابل منح مصر أراضي بديلة في صحراء النقب الإسرائيلية، وهو الاتفاق الذي فشل الإخوان في تنفيذه بسقوط مرسي في مصر.
هناك محاضر مكتوبة توثق كافة المفاوضات بين حماس وإسرائيل، هذا ما يؤكده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقد عبر أكثر من مرة عن استيائه مما يدور في الخفاء بين حركة حماس واسرائيل والذى تنفيه حماس باستمرار، بل تزايد به على السلطة مرارا وتكرارا.
غير أن هذه المفاوضات السرية بين حركة حماس وإسرائيل عادت لتظهر من جديد، وبدأت بالبحث حول رفات جندي إسرائيلي من الفلاشا موجودة في غزة لم يذكر زمن قتله مقابل الإفراج عن أسرى من حركة حماس في سجون إسرائيل، هذه الاتصالات رتبت عبر قناة يهودية إثيوبية ثم تطورت لتصبح إطارا سياسيا!!
تطور هذه المفاوضات جاء بإعادة طرح مسألة الحدود، حيث طرحت إسرائيل على حماس مسألة توسيع قطاع غزة من جهة شبه جزيرة سيناء، وهناك تأكيدات بأن أنقرة راعية لهذه المفاوضات، فمحاضر المفاوضات مكتوبة وتوثق كل المفاوضات بين حماس وإسرائيل وهي بحوزة الرئيس محمود عباس.
لعل تصريحات القيادي البارز في حركة حماس تعزز من هذه الشكوك فهي تكشف عن وجود «دردشات» بين حماس وإسرائيل على حد تعبيره، تتناول موضوعات عدة منها تسريبات بشأن التفاوض حول فك الحصار عن قطاع غزة، وبناء ميناء بحري عائم بين قبرص التركية وقطاع غزة وإعادة تشغيل مطار غزة وإعادة الإعمار وتبادل الأسرى!!
يتزامن انتشار هذه الشائعات التي باتت في حكم المؤكدة، بتصريحات متكررة لقيادات عسكرية اسرائيلية، تعلن فيها عن مدى أهمية وجود سلطة حماس في غزة! وضرورة التعاون معها في مواجهة إرهاب الحركات الأصولية المتطرفة وتثبيت الهدنة، وهذا يستدعي من إسرائيل منح حماس تسهيلات لمنع وقوع انفجار جديد في غزة؟!
رغم نفي حماس الباهت لهذه الإشاعات أو التسريبات والتزام إسرائيل الصمت، فإن المفاوضات المباشرة فيما بينهما تتم على شكل جولات متعددة في إسرائيل نفسها، وبعض العواصم الأوروبية (ألمانيا وسويسرا وتركيا) .
وهناك دلالات واضحة تؤكد رفض حماس لمشاركتها الحكم في غزة، أهمها حكومة الوفاق الوطني التي شكلت منذ عام تقريبا، لكنها لا تعدو كونها حكومة شكلية لا تمارس صلاحياتها على الأرض، فحماس تعطل متعمدة أعمال الحكومة متمثلة في وزرائها المقيمين في غزة، ومازالت هي المسيطرة على مقاليد الحكم وتحكم قبضتها على الأمن في القطاع، فضلا عن محاربتها ومناصبتها العداء للحركات السلفية المتطرفة الموجودة في غزة والتى يقال إنها بايعت داعش وتصديها لكل أنشطتها، بهدف إثبات أن لوجودها ضرورة وأهمية في مواجهة التطرف الديني، بالإضافة إلى امتلاكها معسكرات تدريب كبيرة، تشرف عليها كتائب القسام وتتحكم في أمن القطاع وتبسط سيطرتها وقبضتها على سكانه، ما يعزز فرضية إصرارها على فرض هيمنتها على غزة وحكمه منفردة من جهة، ومن جهة أخرى إثبات عجز السلطة وضعفها وفشلها سواء كان في الحكم أو المفاوضات الجارية مع إسرائيل.
ما تفعله إسرائيل مع حماس هو نفس المخطط الذي تنفذه الولايات المتحدة الأمريكية مع تنظيم داعش: «إعلان الحرب الضروس عليهما في العلن ودعمهما في السر»، لم يعد خافيا على أحد هذه السياسات المتناقضة لتفتيت المنطقة بأيدي أبنائها، وتمزيق الهوية والجغرافيا لشعوبها واستبدالها بكيانات تكفيرية متطرفة تحت مسمى دولة الخلافة.
يغيب عن هؤلاء إرادة الشعوب ومقاومتهم لهذه المخططات، ويقظة الجيش المصري لما يحاك من مؤامرات في الغرف المغلقة، وما يدور في سيناء الآن هو أكبر دليل على إجهاض مؤامراتهم، فالمواجهة مع القوى الظلامية مستمرة، ولن يسمح بأى حال بتمكينهم أو تمكنهم مما عقدوا العزم عليه مهما اتسعت دائرة المؤامرة لتشمل دولا كبرى أو حتى عظمى!!