أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن المنطقة العربية تشهد تحولات جذرية وتواجه تحديات جسيمة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، مشدداً على ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولى لمواجهتها، وذلك جنباً إلى جنب مع الجهود الوطنية ذات الصلة، والتى لا يمكن أن تؤتى ثمارها إلا بتعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى، للمساهمة في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في التقدم والتنمية.
وقال الرئيس السيسى، في كلمته، خلال أعمال المنتدى الاقتصادى العالمى حول الشرق الأوسط وأفريقيا «دافوس»، الجمعة، في البحر الميت، والذى يتم عقده تحت عنوان: «إيجاد إطار إقليمى للرخاء والسلام عبر التعاون بين القطاعين العام والخاص»، إنه يجب الوقوف على تحليل أسباب تلك التحديات وسبل التغلب عليها، للمساهمة في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية.
وأعرب الرئيس عن سعادته بتلبية الدعوة للمشاركة فـى المنتدى، الذي يتميز باستضافة المملكة الأردنية الهاشمية له وبالرعاية الكريمة للملك عبدالله الثانى.
وأضاف: «لعلكم تتفقون معى على أنه لا يمكن فهم طبيعة التحولات في المنطقة من خلال رؤى خارجية أو أفكار مسبقة»، وحذر من «سعى أي طرف، من داخل أو من خارج المنطقة، إلى استغلال حالة السيولة التي قد تصاحب مرحلة التحولات، بهدف فرض رؤى محددة على دول المنطقة أو لإخضاعها لفكر أو رأى معين»، موضحا أن «الحاضر تصنعه الشعوب وحدها بما لديها من إرادة ووعى، والمستقبل ملك للشباب، ولن يرسم معالمه أحد سواه من خلال طموحاته وقدراته».
وشدد السيسى على أن تعزيز دور الشباب لم يعد من قبيل الترف، وإنما أضحى ضرورة لا غنى عنها، خصوصاً في الدول والمجتمعات التي تضم نسبة كبيرة من الشباب، لأنهم طاقة دافعة يتعين استثمارها وتوجيهها نحو الإطار الصحيح، للاستفادة منها في دفع عجلة الإنتاج وإحداث التطور الحضارى والتنموى المنشود، فتوافر فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل يعد أهم سبل الحفاظ على الشباب واستثمار طاقاتهم، وذلك تلافيا للتداعيات الناجمة عن إهمال هذا القطاع الحيوى من المجتمع، وتركه فريسة للتطرف والإرهاب، أخذا في الاعتبار أن قسما كبيرا من الشباب يجيدون استخدام وسائل التكنولوجيا والتواصل الإلكترونية الحديثة، التي يتعين العمل على الحيلولة دون استغلالها لنشر الأفكار المتطرفة ومنع انحرافها عن غايتها الحقيقية الرامية إلى نشر الثقافة والمعرفة وتحقيق التواصل البناء بين مختلف الشعوب والحضارات.
وأشار إلى أن التحدى الذي يطرحه موضوع الاستثمار في الشباب ليس مجرد أحد الموضوعات على جدول أعمال الحكومات وحدها، لكنه قضية رئيسية ينبغى أن تكون محل تعاون وتكامل في الجهود ما بين الحكومات وقطاع الأعمال، والجميع في قارب واحد، ولن يتحقق الازدهار المنشود ولن يسود السلام أو الاستقرار اللازمان لاستدامة التنمية إلا من خلال ذلك التعاون والتكامل بين الحكومة والمؤسسات الخاصة في المنطقة، وأيضا فيما بينها وبين باقى الدول والأقاليم، فالتهديدات في عالم اليوم باتت عابرة للحدود، ولم يعد أحد يمتلك ترف التقاعس عن التعاون والتنسيق، حتى يمكن القضاء عليها.
ونبه إلى أن الجمود الفكرى الناجم عن التطرف والغلو الدينى أو المذهبى تزداد حدته جراء اليأس والإحباط وتراجع قيم العدالة بمختلف صورها، وبالتالى فإن جهودنا للقضاء على التطرف والإرهاب يجب أن تتواكب معها مساع نحو مستقبل تملؤه الحرية والمساواة والتعددية، ويخلو من القهر والظلم والإقصاء، بالتوازى مع خطط مدروسة، للقضاء على الفقر تجسد الشق الآخر للحقوق الأساسية للإنسان في المنطقة، فمن غير المقبول أن يستمر الفقر سببا لمعاناة جزء كبير من شعوبها، رغم الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تزخر بها.
واعتبر أن القضاء على الفقر لن يتحقق إلا من خلال تنمية اقتصادية وصناعية قوية وشاملة، مرنة ومستدامة، تضع ضمن أولوياتها رعاية الصناعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، باعتبارها أحد أهم عناصر تحقيق التنمية الشاملة، والتى يمكن أن تفجر طاقات الإبداع والابتكار في المنطقة، وتعمل على توفير وظائف جديدة لاستيعاب جزء كبير من العمالة ومواجهة ظاهرة البطالة، خاصة في أوساط الشباب.
وقال السيسى إن مصر واجهت خطر محاولة فرض الرأى الواحد وإقصاء كل من يخالفه، واستطاع الشعب الانتصار على تلك المحاولة ومواجهة الترويع والعنف، الذي صاحبها بكل شجاعة، من أجل تأمين مستقبل الأجيال القادمة، والمنطقة تعيش مخاطر مشابهة تستقى أفكارها من المصدر ذاته، وتسعى من خلال الإرهاب إلى هدم بنيان الدول وتفتيت الشعوب، وتستغل في ذلك الانتماء الدينى أو المذهبى أو العرقى، لتجنيد وتعبئة الشباب الذي كان ضحية في مراحل سابقة لضعف الاستثمار في قدراته ومواهبه.
وأضاف أن مصر تدرك كدولة غنية بشبابها ضرورة وحتمية صنع مستقبلها ومنطقتها، وتعى أن لديها نافذة ديموجرافية ممتدة حتى عام 2050، للاستفادة من طاقات وقدرات الشباب في سن العمل خلال تلك الفترة، وهو ما يدفعنا بكل قوة لتنفيذ مشروعات جادة وطموحة للاستفادة من تلك الطاقات.
وأوضح الرئيس أن الحكومة المصرية بدأت في تنفيذ برنامج شامل للتنمية حتى عام 2030، يهدف إلى جذب الاستثمارات وتشجيعها للعمل في مناخ آمن ومستقر، ويرتكز على القيام ببرنامج للإصلاح الاقتصادى وتطوير مناخ الاستثمار، من خلال مراجعة جميع التشريعات المتعلقة به، بهدف دفع حركة الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال، وتم تتويج تلك الأعمال بإصدار قانون جديد للاستثمار ستصدر لائحته التنفيذية قريباً، إلى جانب إجراء بعض التعديلات التشريعية مثل تنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وقانون الشركات، وقانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة.
وتابع أن الحكومة أطلقت العديد من المشروعات التنموية الضخمة، وفى مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة، الذي يعد بمثابة قفزة اقتصادية وتجارية هائلة على الصعيدين الوطنى والدولى، وكذلك مشروعات تنمية منطقة المثلث الذهبى الزاخر بالاحتياطيات المعدنية، وتنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى، ومشروع شرق العوينات، فضلاً عن إعداد مشروعات أخرى من المنتظر الانتهاء منها خلال الفترة المقبلة، على رأسها إنشاء مركز لوجيستى عالمى لتخزين الحبوب، إلى جانب العديد من المشروعات الإنتاجية التي تساهم في توفير فرص عمل حقيقية للشباب.
وأشار إلى أنه كان المتاح إلقاء الضوء على تلك الجهود، خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى في مدينة شرم الشيخ، خلال مارس الماضى، والذى شهد مشاركة دولية كبيرة من الدول والقطاع الخاص العالمى، وأسفر عن توقيع العديد من الاتفاقيات، لإطلاق مشروعات اقتصادية كبرى، شملت مشروعات مهمة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، فضلا عن التوجه نحو الاعتماد على وسائل الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يتيح الفرصة للتوسع في الأنشطة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات في المجالات المختلفة.
ولفت إلى أن الحكومة تعمل على تطوير شبكات الضمان الاجتماعى والدعم لحماية الفقراء ومحدودى الدخل، وإطلاق برنامج «كرامة وتكافل»، بالتعاون مع الشركاء في التنمية، بهدف دعم شبكات الأمان الاجتماعى في مصر، وتوسيع نطاق هذه الشبكات، استنادا لآليات ومعايير تتسم بالشفافية والكفاءة، لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه من الفئات الأضعف وتحسين مستوى الخدمات المقدمة إليهم.
وأكد الرئيس أن مصر حققت تحسناً اقتصادياً ملحوظاً خلال الفترة الماضية، وهو ما تشهد به تقارير المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية وتوقعاتها الإيجابية حول أداء الاقتصاد المصرى وارتفاع مستوى الثقة فيه، خصوصاً مؤسسات التصنيف الائتمانى التي عدلت توقعاتها ونظرتها للاقتصاد المصرى، ورفعت التصنيف من «مستقر» إلى «إيجابى»، وبالتوازى مع النجاحات المحققة على الصعيد الاقتصادى، لايزال التزامنا ثابتا بالتنفيذ الكامل لخارطة المستقبل السياسية، التي تم إقرارها عقب ثورة 30 يونيو، حيث تم الاستفتاء على الدستور، وإجراء الانتخابات الرئاسية، بمشاركة شعبية واسعة، وفى ظل أجواء اتسمت بالنزاهة والشفافية، ويجرى بالفعل اتخاذ الإجراءات الخاصة بعقد الانتخابات البرلمانية، استكمالاً لبناء مؤسسات الدولة.
وشدد الرئيس على: «إننى على ثقة من أن ما سيشهده هذا المحفل من حوارات بناءة وتفاعلات مثمرة سيقوى علاقات العمل القائمة بين المشاركين، كما سيضع أسس علاقات جديدة وممتدة تستفيد من الأفكار التي تطرح خلال الاجتماعات وحلقات النقاش، وانطلاقا من حرص مصر على الإسهام في تعزيز وتوثيق تلك العلاقات وفى إتاحة الفرصة للمزيد من تبادل الرؤى والانفتاح على الأفكار الخلاقة».
وأعلن السيسى عن استضافة مصر للاجتماع القادم للمنتدى الاقتصادى العالمى حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مايو 2016، في مدينة شرم الشيخ، ودعا جميع الحضور إلى المشاركة فيه بمزيد من الطموح والتطلع إلى المستقبل من خلال الفكر والعمل الجاد الذي تمتاز به اجتماعات المنتدى.
وكان الملك عبدالله الثانى، ملك الأردن، قد افتتح فعاليات الدورة الـ16 من المنتدى، بمشاركة الرئيس السيسى، والرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن)، و900 شخصية سياسية واقتصادية وإعلامية، وقال الملك عبدالله إن المنتدى يجتمع في البحر الميت، للمرة التاسعة، والذى أصبح محركا للنمو في قطاعات كثيرة، مشيرا إلى وجود 350 مليون شخص يكافحون في المنطقة، واستثمار الفرص هو من صميم عمل المنتدى، ومشدداً على ضرورة إشراك الجميع لتحقيق النمو الشامل، لذا تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص حجر الزاوية لتحقيق ذلك.
وقال الرئيس التنفيذى للمنتدى، كلاوس شواب، إن دورنا أصبح أكثر حيوية بالنظر للقوى السياسية التي تعيد تشكيل المنطقة، معرباً عن شعوره بالحزن لما يحدث في سوريا وليبيا والعراق، ومؤكدا دعمه الكامل لهذه الدول.
وأضاف، في كلمته خلال افتتاح الدورة، أن تنامى التطرف والعنف يشكل تحديا لنا جميعا، إنه سرطان إن لم نقضِ عليه سينتشر في العالم كله.