ذات مرة قال لى أحد قيادات الأجهزة الرقابية، لدينا في الهيئة إمكانيات تكنولوجية للتنصت والتجسس على ألف خط تليفون ثابت ومتحرك في وقت واحد، وأضاف أن هذه السعة لا تكفى أحيانا فتتعطل أعمالنا. نحن هنا نتحدث عن جهاز رقابى واحد، إذن ما هي إمكانيات التجسس في مصر المحروسة ككل، إذا رصدنا عدد الأجهزة الرقابية والأمنية والسيادية، التي لديها هذه الصلاحية، وهى صلاحية اقتحام بيوت الناس وأسرارهم.
وذات مرة قال لى أحد قيادات جهاز أمن الدولة السابق، غالبية الناس تعتقد أن المستندات والتسجيلات والوثائق الخاصة بالجهاز قد تم نهبها، أو حرقها خلال اقتحام مقر الجهاز، وأضاف: ما لا يعلمه رئيس الدولة نفسه، أن لدينا مواقع خاصة نحتفظ فيها بنسخة من كل صغيرة وكبيرة مما هو لدى الجهاز، وبعد ٢٥ يناير ٢٠١١ مباشرة، كانت لدينا الفرصة لتهريب المزيد، فقد توقعنا كل شىء، وعلى بعد خطوات من ذلك المكان الذي نجلس فيه الآن، توجد إحدى الشقق (السكنية) التي تتكدس بها ملايين الوثائق.
الأهم من ذلك أنه أضاف الكثير من الحكايات الخاصة، زميلكم هذا الذي يعمل صحفيا، ويدّعى الفضيلة، هو في الحقيقة له من العلاقات النسائية، كيت وكيت وكيت، بالصور والتسجيلات، وفلانة التي تعمل مذيعة وتدعى الشرف، لدينا تسجيلات بخصوصها تحمل كيت وكيت وكيت، والوزير الفلانى، وزوجة المسؤول العلانى، إلى آخر ذلك من مآسى التجسس التي تعيشها المحروسة.
لم أكن أتصور أبدا أن أسرة ما، أو عائلة ما، قد أنفقت على تربية ابنها، وتعليمه، لتكون كل مهمته في الحياة فيما بعد، التجسس على خلق الله، كما لا أتصور أن الدولة تنفق على أبنائها سواء خلال مراحل التعليم، لتكون كل مهمتهم عقد اتفاقيات يومية مع الراقصات لإحياء الأفراح، أو مع مطربين لإحياء طهور.
إذا مارست الدولة الرسمية الانحطاط الأخلاقى في أبشع صوره، من خلال التنصت أو التجسس على المواطنين، بالتالى لا يرى المواطن هو الآخر غضاضة في التسجيل لمواطن آخر، أو إفشاء أسرار مسؤول ما.
ما أثار انتباهى أكثر خلال الآونة الأخيرة، هو تسريب من نوع آخر، أكثر انحطاطا، هو ذلك الخاص بالرجل المحترم الأستاذ فريد الديب، الذي هو قيمة وقامة قانونية وإنسانية، قبل أن يكون محاميا كبيرا الآن، أو وكيلا للنائب العام في بداية حياته العملية. الأستاذ الديب أجرى بأحد المعامل الطبية تحليلا للدم بناء على طلب الطبيب، وإذا به يفاجأ بمواقع التواصل الاجتماعى تتداول خبرا عن إصابته من خلال التحليل بمرض ما. لم يكن الرجل يعلم نتيجة التحليل حتى هذه اللحظة، ولم يكن قد أخبره الطبيب، إلا أن تسريبا من داخل المعمل يحمل تشفيا، سارع بإعلان النتيجة للعامة قبل صاحبها، ياللهول، رأيتم إلى أي مدى وصل الانحطاط الأخلاقى.
الغريب أن الذين سجلوا وتنصتوا وتجسسوا على الناس في السابق واللاحق، مازالوا على رأس العمل، كما أن معمل التحاليل الطبية المشار إليه، مازال فاتحا أبوابه وفروعه، كما أن الآلاف من أجهزة التنصت مازالت تُمارس الرذيلة بكامل طاقتها.
كيف يمكن إذن أن ننشد تقدما وتطورا من أي نوع. على العكس تماما، أعتقد أن العجلة تعود إلى الخلف. مطلوب ثورة حقيقية، محورها الأخلاق والإصلاح، وليس الغل والتشفى والانتقام.