أشكال أخرى للنصب الطبى والتمييز الدينى

خالد منتصر الخميس 21-05-2015 21:44

اخترت ثلاث رسائل مما وصلنى- رداً على ما كتبته فى مقالات سابقة عن النصب الطبى والتمييز الدينى- سأترك لها المساحة اليوم.

الرسالة الأولى من د. يحيى طراف، أستاذ جراحة العظام، يقول فيها:

«أتابع مقالاتك عن النصب الطبى، ويؤسفنى أن أسرد عليك مما لا يغيب عن علمك نوعاً من عدم الأمانة، ولا أقول نصباً، منتشراً بين الكثير من الأطباء، يتعلق بلافتاتهم التى يعلقونها على عياداتهم، يعلنون فيها عن أنفسهم وتخصصاتهم، فمعظم أساتذة الجامعات الإقليمية لا يحددون الجامعة التى تتبعها كلية الطب التى يعملون أساتذة لديها، كأن يكتب أحدهم: (أستاذ بكلية الطب جامعة بنها أو جامعة المنوفية)، كما تقتضى الشفافية، لكنه يكتب: (أستاذ بكلية الطب) دون أن يعقب.

والخديعة الكبرى تكون حين يكون حاصلاً على الدكتوراه فى تخصصه من كلية الطب جامعة القاهرة مثلاً، فيوضح ذلك بدقة فى لافتته، ثم يردف بقوله: (أستاذ فى كلية الطب)، هنا سيقع فى روع تسعين فى المائة ممن يقرأ اللافتة أنه أستاذ فى كلية الطب التى نال منها درجته العلمية، ألا وهى طب القاهرة، بينما هو فى كلية إقليمية، وهناك من يتحايل فى كتابة اللافتة، كأن يكون مثلاً أستاذاً مساعداً، فيكتب فى اللافتة كلمة: (أستاذ) بالبنط العريض، مشفوعة بالحرف (م) بدلاً من مساعد، حيث لا يلحظه الجمهور، إما لدقة حجم الحرف أحياناً، أو لعدم درايته بمدلوله، فيعتقد أن صاحب اللافتة أستاذ فى تخصصه. وهناك من يكتب فى لافتته: (دراسات عليا فى التخصص الفلانى)، حيث يكون مسجلاً للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه بكلية ما فى هذا التخصص، ولم يحصل عليها بعد، أو فشل فى الحصول عليها، فيخاطب بعبارته هذه عقول البسطاء.

وأعرف من ناقش رسالة الدكتوراه فى تخصصه، وفشل فى تخطى الامتحان الذى يعقب ذلك لتتمة الحصول على الدرجة، فكتب على لافتته: (رسالة الدكتوراه من كلية الطب جامعة القاهرة) وكلمة (رسالة) ببنط صغير يكاد لا يُقرأ.

ولقد أصاب الخداع أيضاً الشهادات العالمية والزمالات التى ينسبها الأطباء لأشخاصهم، فيكتبونها مختصرة بالأحرف الإنجليزية على لافتاتهم. ولقد قابلت فى الولايات المتحدة طبيباً التحق بدورة مدتها ثلاثة أيام للتدريب على الإسعافات الأولية اسمها (Cardio Pulmonary Resuscitation)، واختصارها المتعارف عليه عالمياً هو (CPR)، فلما عاد لمصر كتب اسمه على لافتته، مشفوعاً بهذه الأحرف، موحياً للعامة أنها شهادة عالمية أو زمالة مثل (FRCS)، فلا حول ولا قوة إلا بالله».

الرسالة الثانية من د. مينا عبدالملك، الأستاذ فى هندسة الإسكندرية، يقول فيها:

«من الأمور التى يحتفظ بها التاريخ للدكتور نجيب محفوظ، (1882- 1972)، رائد علم أمراض النساء والولادة، أنه حدث أن وافق مجلس كلية الطب على تعيين نجل رئيس الوزراء، مساعداً بقسم أمراض النساء، من وظيفة طبيب امتياز، دون اجتياز جميع المراحل المُقررة لذلك، والتى تستغرق- طبقاً للوائح المعمول بها- عدة سنوات.

وكان قرار مجلس الكلية صادراً، مراعاة لشدة حاجة الكلية إلى موافقة رئيس الوزراء على اعتماد مبلغ عشرين ألف جنيه لبعض أبنية مستشفى النيل الجامعى. وكان قد نُشر فى جريدة (الوقائع المصرية) قرار وزارى بهذا التعيين.

وهنا انبرى دكتور نجيب محفوظ، معترضاً على قرار المجلس، وطلب من أعضاء المجلس الموافقة على السماح له بمقابلة رئيس الوزراء، فوافق المجلس. وعندما تقابل مع رئيس الوزراء أظهر له الضرر الذى سيصيب نجله عند تخطيه جميع المراحل المُقررة حتى يشغل وظيفة مساعد بقسم أمراض النساء والولادة، إذ إن ذلك سيعرضه للمهانة بين رفاقه، بالإضافة إلى أن هذا الاستثناء ستكون له عواقب وخيمة لنظام التعيين فى كلية الطب، فشكر له رئيس الوزراء موقفه، وكلفه بإبلاغ المجلس سحب الوزارة قرار التعيين.

هذا هو الحق، وتلك هى الشجاعة. ومن يقل الحق ويتمسك به لا يمت».

الرسالة الثالثة من مواطنة مصرية مسيحية طلبت عدم ذكر اسمها، تقول فى رسالتها:

«أردت بعد حصولى على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة، قسم الآثار، أن ألتحق بقسم اللغة العربية لتقوية لغتى العربية، لأتمكن من التأليف والترجمة ومواصلة دراستى للدين الإسلامى (على يد الأب/ جورج قنواتى، الملقب بشيخ الإسلام، لعمق محبته وتبحره فى العلوم الإسلامية). كنت وقتها خريجة جامعة القاهرة بتقدير جيد- وخريجة مدرسة خاصة بمجموع فوق الثمانين قبل ذلك فى الثانوية العامة. رفض طلبى بعد استخراج أوراق كثيرة ومعقدة. وكان السبب أن هناك عُرفاً غير مكتوب أيضا بأنه لا يحق لى كمسيحية الحصول على شهادة الليسانس فى اللغة العربية، خشية أن أعمل فى تدريسها، لأننى مسيحية!!!

وعندما ذكرت بعض الأسماء المسيحية، ومن بينها عمى، الذى عمل مدرسا للعربية، قيل لى إن هذا استثناء غير رسمى. وبعد إلحاح، وافقوا أن أقدم تعهداً بأننى لن أعمل مدرسة للغة العربية وسوف يبتون فيه، فرفضت طبعا».

انتهت الرسائل، ولم ينته النصب ولا التمييز.

Info@khaledmontaser.com