ورا الشمس «ضِلَّة»

زياد العليمي الخميس 21-05-2015 21:57

يعرف صاحب السلطة «العاقل» أنه يجب أن يستمع إلى معارضيه قبل مؤيديه! فالمؤيد يقول له «ما يحب» سماعه، لكن المعارض يقول له «ما يجب عليه» سماعه. أما الأحمق، فهو الذى يستمع لمؤيديه فقط؛ فتزداد ثقته فى أفعاله، ويتمادى، ليزيد من جرعة بطش معارضيه، حتى يطال البطش أعداداً أكبر، وينال الإهمال من جميع المؤسسات الخدمية، نتيجة الاقتصار على الاستماع لماسحى الجوخ، فلا يفيق المستبد إلا على صوت الملايين أمام مسكنه يطالبون برأسه.

وعادة ما يعتمد الحاكم المستبد على قتل الأمل فى حدوث أى تغيير، وإشاعة الخوف بين مواطنيه؛ إلا أن الإفراط فى الاستبداد يفقد المواطنين شعورهم بالخوف، فالناس تخشى دائماً الخطر المجهول، وحين يعرف كثيرون هوية هذا المجهول يسقط الخوف من قلوبهم! وينهار جدار الصمت الذى يفصلهم عن أحلامهم.

والحقيقة أن بلادنا حُكمت لسنوات طويلة بعدد غير قليل من المستبدين الحمقى الذين أشاعوا الظلم، ومارسوا القهر على الجميع؛ فانهارت أسباب الخوف بعد أن أصبح للصمت والمواجهة نفس العاقبة! فما يخاف منه الناس جربه مئات الآلاف منهم، وأصبح لا يخيف، كما تبين أن الصمت لا يضمن الحماية، فعادة ما يخشى الناس...

السجن: خلال سنوات طويلة من عمر الاستبداد فى بلادنا، خاض أو يخوض أو سيخوض كل من اهتم بالعمل العام، تجربة الاعتقال. كما أن الصمت لم يحم المتدثرين به، فعلى سبيل المثال، لم يكن خالد سعيد أو عماد الكبير وآلاف غيرهم من المهتمين بالسياسة يوماً. ولهذا، ليس من المستبعد أن تخوض تجربة التعذيب والسجن لمجرد أنك «كسرت» بسيارتك، على أى شخص ذى نفوذ فى الشارع، أو أن ردك على «الباشا» فى الكمين لم يرق له، عندما حاول استعراض خفة ظله أمام من تجلس بجانبك! ففى النهاية، سوف تجد أن مصيرك يمكن أن يكون السجن والتعذيب، حتى إن لم تكن مهتماً بالشأن العام. وإن كان حظك حسناً، ولم تخض تلك التجربة بالتحديد، ستكتشف أنك هربت من سجن ضيق لسجن أوسع، يحكمه الخوف على كل شىء ومن أى شىء، خشية أن تلقى سوء العاقبة! فلا يكون أمامك إلا أن تهرب، علَّك تصبح من المحظوظين الذين استطاعوا الإفلات من الخطر، أو تواجه، علَّك تضمن قيام دولة القانون التى تحمى حقوقك دون خوف.

الموت: خلال السنوات الماضية، عرف معظمنا رفاقاً قُتلوا أمامنا لأنهم حلموا، فقط، بوطن عادل. ولكثرة تجاربنا فى هذا المضمار عرفنا أن الموت ليس سوى مجرد لحظة تفصل بين عالمين؛ لا تؤلم أو تصيب صاحبها بالحزن بقدر ما تصيب المحيطين به، ممن لم يحن ميعادهم بعد! فهل تضمن، لو التزمت الصمت، أن تتفادى القتل نتيجة حادث إهمال؟ أوتحت يد طبيب أخطأ فى علاجك، ولديه من الصلاحيات والنفوذ ما يجعله يفلت من العقاب؟ أو تحت التعذيب على يد «باشا» لم ترق له؟ حتى إن كنت تمتلك المال الكافى للعلاج، أو لك من المعارف الذين سينقذونك من يد الباشا، فهذا ليس ضماناً لأن تقتل ثم يقال بعدها: لم نكن نعلم أنه يمتلك المال الكافى للعلاج، فقد أتى إلينا وليس معه المال المطلوب لدخول الطوارئ، أو لم نكن نعرف أنه قريب لكم.

المستقبل: سأستعير ما قاله الفنان خالد أبوالنجا ـ أثناء حكم مبارك ـ عندما سألته إحدى المذيعات عما إذا كان لا يخشى على مستقبله من آرائه السياسية، فأجاب: «مستقبل إيه فى بلد مافيهوش مستقبل أصلاً؟».

أما إذا كنت ممن يعيشون خارج البلاد، ولست مهدداً بكل ما سبق، فتذكر أن ما يحدث فى البلاد هو ما دفعك لتركها، وأن لك من تخشى عليهم هنا. وتذكر أنك تريد أن تعود أنت وأبناؤك لتحيا فى وطنك، وأن هذا غير ممكن فى ظل وضع مجنون تماماً، كالذى نعيشه.

الحقيقة، أن معظمنا نشأ على عبارة «ماتتكلمش علشان ماتروحش ورا الشمس»! وبعد أن جرب كثيرون أن يذهبوا وراء الشمس، سواء بسبب أرائهم، أو لأن المصادفة قادتهم للاصطدام بذوى النفوذ، فتعلمنا أن الصمت ليس ضمانة لتفادى الذهاب وراء الشمس، وأدركنا أن بداية طريق التغيير تقع وراء الشمس، فاكتشفنا أن «ورا الشمس.. ضلة»!