الإدارة العامة لريهام سعيد

أحمد خير الدين الأربعاء 20-05-2015 21:06


بعد مقدمة تحسم فيها أن الألتراس تعرضوا لغسيل مخ ليقفوا ضد النظام ويشاركوا في مخططات تخريب البلاد، تضيف أن من التقتهم يكذبون بناء على نصائح المحامين بنفي علاقتهم بالأحداث ثم تبدأ موسيقى أخرى لحلقة جديدة.
تستعرض الكاميرا وجوه ضحايا هذه المرة. أحجام لقطات قريبة تحاول البحث عن نظرات الندم والانهيار وعضّ الأنامل والعيون الزائغة، مع موسيقى تبث أجواء التأهب لحضور النجمة، لكن الكاميرا تجد فتيانًا لم يتجاوزوا السادسة عشرة يضحكون غير مصدقين أنهم في هذا الموقف قبل أن تدخل هي إلى غرفة في أحد أقسام الشرطة.
يتكرر إعلان ريهام سعيد غضبها من أن صيد هذه الحلقة من الشباب مبتسمون بينما هي تسأل.. استهزاء للتعبير عن الاستياء من الطريقة التي تتعامل بها معهم وهي تسألهم محاولة أن تستعرض إمكانات المحقق وضابط الشرطة التي تعودت أن تستخدمها مع المتهمين الذين تتطوع وزارة الداخلية أن تقدمهم لها فيما يبدو أنه جزء من خطط العقاب لأشخاص يخرج معظمهم في مراحل النيابة أو المحاكم أبرياء.
يقول أحدهم إنهم كانوا يلعبون الكرة حين ألقي القبض عليهم، لكنها ترفض وتبدأ في سؤاله عن سنه ولماذا يهتم بالسياسة وهو في الصف الثاني الإعدادي؟! يستجيب الطفل فيقول إنه غاضب «من الدم في الشوارع» وشارك في تظاهرتين لكنه لا ينتمي للإخوان. يظهر الفرح في صوتها وتعتبر أن ما فعلته انتصار صحفي فتبدأ في الهجوم على الشاب ثم تنتقل لزميله، وحين يبدأ في الحديث عن لعب الكرة تقول إنه لا داعي الآن للإنكار فقد اعترف زميله. يبتسم الشاب وهو يقول إن هذا لا يعني شيئًا، ويضيف: «اللي بينزلوا دول جزء من الشعب».. تحسم حضرة الباشا المذيعة : «عموما وقفتك دي تبين انك حد مش ملكش دعوة بحاجة»، ثم تغضب لعدم استسلامه وضحكه فتبدأ في مطالبته بأن يقول لها «حضرتك» لأنها أكبر منه في السن.
«ما تتريقش علشان ممكن تتسجن» تقولها المذيعة – الضابط – وكيل النيابة بعد أن يضحك متهم آخر وهي تقرأ لائحة اتهامات له بالمشاركة في تأسيس حركة اسمها «يو إس إيه» لتنفيذ عمليات تخريبية وإرهابية، فيقول أحدهم لو كنا نقوم بمخططات إرهابية لماذا ألقوا القبض علينا ونحن نلعب الكرة؟ ما الإثبات؟ فتصرخ فيهم «ولماذا أنتم؟!».
يقول أحد الشباب وهو محتفظ بابتسامة خجولة إن المحتجزين الجنائيين أشفقوا عليهم حين رأوهم وسألوهم متعجبين عن سبب القبض عليهم، لكن ريهام تملك فراسة ويقينا أن الشرطة لن تلقي القبض على شخص بريء، وأن ضحكاتهم ورباطة جأشهم وهم يواجهون كاميراتها وأسئلتها دون أن ينهاروا يعني أنهم متورطون في فعل تخريبي ما.
لا أدلة على إدانة الشباب حتى الآن. وإلا كانت ريهام استعرضتها وسط محاولاتها إدانتهم كمخبر تقليدي. وهم أو جزء كبير منهم قد يخرج بريئا في يوم من الأيام، ولكن هذا سيكون بعد أن ظهر في برنامج رئيسي على قناة فضائية والأضواء مسلطة على وجهه واتهام واضح وصريح له بأنه مخرب وإرهابي.. ينتظر هؤلاء نظرة مجتمع يدينهم وزملاء سيعتبرونهم مجرمين أو استسلاما للانجراف إلى ما أدينوا به ظلما..لا أهمية لهذه الأشياء عند ريهام وفريقها.
في توقيتات أخرى وفي بلد آخر وإجراءات تقاضٍ غير تلك التي تحدث كان من الممكن أن تبدأ في السؤال عن انتهاك حقوق قصّر في مرحلة الاتهام قبل إجراءات النيابة والقضاء بل القيام بما يخل بسير المحاكمات بعرض صورهم ومحاولة انتزاع اعترافات منهم على شاشة تلفزيونية. لكنك ستتذكر أن الأسبوع قبل الماضي فقط هو الذي حمل أنباء خروج الصحفي أحمد جمال زيادة بريئا بعد ما يقرب من ستمائة يوم في السجون دون تهمة أو نشر مئات الفيديوهات لما يقال إنها اعترافات قبل أن يخرج أصحابها أبرياء.
أصبح هذا اللون مدرسة إعلامية وتبوأت هي مقعد الريادة فيها رغم كل الانتقادات وهدر حقوق البشر، حتى باتت برامج «خلف الأسوار» و«حديث المدينة» و«أجراس الخطر» علامات مضيئة نتذكرها بحسرة. المناخ السياسي والإعلام الناتج عنه رسم خريطته فتوزعت الوجبة الإعلامية اليومية على موضوعات خطيرة جدا. فواحدة تهاجم الناس في الحمامات وآخرون يبحثون في صور المواطنين على حسابات انستجرام وفيس بوك وآخر يشهر سيفه اعتراضا على مضمون تاتو على ظهر مغنية. لكن هذه المحاولات لم تحرك ريهام شبرًا عن موقع الصدارة.
تحب الدولة هذا النوع من الإعلام وتدعمه أسبوعيا بالقضايا والحالات، كما يحبه ملاك القنوات الخاصة ويفردون له المساحات والميزانيات وسط الأزمات المالية وتخفيض النفقات وتسريح العمالة. لا تهم مدى أخلاقيته ولا انتهاكه للحقوق وتعريض من يظهرون إلى تدمير مستقبلهم وبداية مرحلة مأساوية في حياتهم، فهو يجلب الإعلانات ويرفع نسب المشاهدة ولا يصطدم بالسلطة ولا يكشف نقائصها وإخفاقاتها ويُظهر أن الشعب يحتاج قبضة أمنية لتتعامل مع كل هذه السلبيات والجرائم التي تستعرضها ريهام سعيد في برنامجها أسبوعيا دون أن تعرف حقا ما علاقة هذا كله باسم البرنامج؟ .. «صبايا الخير».