أول ما وصلت لندن قابلت لزلى ليلى، كاتب السيناريو البريطانى، اللى كنت أعرفه من بعض مؤتمرات ومعارض الكاريكاتير الدولية اللى ترددت عليها لما كنت ناشط كاريكاتيرى. لز، وده اسم الدلع بين أصدقائه، كان بريطانى من النوع القياسى اللى بيطلع فى الكتب وتؤلف عليه الروايات. كان راجل موزون واللى فاكره عنه هو الجاكيت الـ«تويد» أبو رقعة بنى فى الكوع، وشعره الأبيض وشنبه المنفوش، ونبرة صوته الهادية المتزنة والوقورة. كنت باحس إنه أكاديمى جاد رغم إن الراجل أياديه البيضاء على عالم الكاريكاتير والكوميكس كتيرة.
بينى وبينك مفيش مناسبة إنى أتكلم عليه النهارده باستثناء حاجة واحدة جت فى دماغى وحسيت إنى محتاج أحكيها بصوت عالى.
فى الوقت اللى قابلت فيه لز، كان فيه مجلة كاريكاتير جديدة بيطلعها فى أمريكا رسام من أصل مجرى اسمه زابو. كان بينشر فيها رسامين من مختلف أنحاء العالم. زابو كانت مشاكله مع الرسامين كتيرة. مش فاكر طبيعتها لكن اللى مش قادر أنساه حوار قصير دار بينى وبين لز سألته فيه: «هى إيه حكاية زابو ده يا عم لز؟ إيه رأيك فيه؟».
لز سكت شوية وقال: «أنا مش باحبه بشكل شخصى، ومش باحب طريقته ولا أساليبه، لكن باحب الحاجات اللى بينجزها».
لما سمعت العبارة دى فيه لمبة (موفرة) نورت فى دماغى. معقولة؟! فيه حاجة زى كده؟! عم لز ما قالش حاجة من عينة «زابو حلو» أو «زابو وحش». زابو بالنسبة له كان شخصاً متعدد الزوايا. ماكنش بيقبله كشخص، ولا كان موافق على أساليبه لكن فى النهاية كان بيحب إنجازاته.
حاسس إنى مدين بشكل شخصى لعم لز وبافتكره بحزن كل ما أشوف الحب المطلق والتخوين المطلق اللى إحنا فيه.
الوحش عندنا مش معروف أسباب وحاشته، ولا إحنا عاوزين نعرف أسباب اختلافنا معاه ونفهمه ونشرح نفسنا. الوحش عندنا شرير لا حق له فى الوجود. يمكن سحله، اعتقاله، قتله، إعدامه. مافيش حد هيسأل عن السياق أو الأسباب أو الطريقة. طالما وحش يبقى كل شىء جايز. طالما وحش يبقى لازم يختفى من خارطة الوجود.
أما الحلو عندنا فده بنحط جزمته على دماغنا. نرفعه للسما ونعمل منه إله، حتى لو صدر منه ما يؤذى أو يضر، أو لو تناقضت أقواله مع أفعاله. إحنا خلاص قررنا إنه حلو وما ينفعش يطلع وحش.
السؤال اللى بيلح على دايما هو: إزاى التعليم والإعلام يساعدوا فى تغيير منهج التفكير والتحليل عند الإنسان المصرى بحيث ما يبقاش بيحب ويكره بس لكن بيحاول يفهم ويحلل؟ إزاى مثلا يبقى فيه إمكانية تقول إنك مش موافق على خلطة بيع السياسة مع الدين، وشايف إن فكر الإخوان ضار ومدمر، لكن فى الوقت نفسه مش موافق إن أى حد يعتقل أو يتحبس أو يتعذب لمجرد إنه «بيفكر إخوانى» أو «شامم على إخوانى»؟!
إمتى الواحد يقدر ببساطة يقول إنه مؤمن بالجيش كمؤسسة وطنية والشرطة كمؤسسة أمن داخلى ويقدر تضحيات أفراد المؤسستين، لكن فى الوقت نفسه يرفض انغماس الجيش فى المقاولات والأعمال المدنية، ويدين التعذيب والاعتقال العشوائى.
ليه الكلام البسيط والبديهى ده لو قلته فى مصر تبقى خاين أو عميل.. عند الطرفين؟
ليه يا عم لز؟