كأن الشيخوخة لا تعرف طريقها أبدا إلى «الخال»، فهو كأجداده قوى، شامخ، قادر، الحزن لا يقهره. هو الابن الأكثر برا ووفاء لتراث أجداده، الذي لا يستطيع أحد أن يقهره. هو مثلهم ذاق الهزيمة فلم ينكسر، وحاول «تتار» هذا الزمان أن يكمموه فقاومهم وقهرهم، تمر عليه السنون فتشحذ موهبته وتخرج منه شعراً بلغة أبناء وطنه من الفقراء والكادحين.
عبدالرحمن الأبنودى هو أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، كتب لمعظم فنانى مصر والعالم العربى على مر الأجيال، يحب الصعيد، ويعشق عبدالناصر، ويبنى آمالاً عريضة على الرئيس عبدالفتاح السيسى. مهما كتبت من مقدمات فلن أفى شاعرنا الراحل حقه، وأعتقد أننى كنت محظوظًا جدًا لتتاح لى فرصة أن أجلس مع «الخال» ساعات طويلة مقسمة على 3 زيارات متتالية في منزله بقرية «الضبعية»، في مدينة الإسماعيلية.
وصف «الأبنودى» هذا الحوار بأنه «حوار الموت»، واعتبره «فضفضة» بدأت منذ الطفولة بمراحلها وصولًا إلى المرض والاقتراب من الموت وكتابة الوصية. طلب منى ألا أقاطعه أثناء الحوار قائلًا: «اترك الأفكار تخرج بصورة طبيعية، ودع الموضوع ينشر دون أسئلة وأجوبة»، وعندما حاولت أن أستفسر منه عن بعض المواضيع، قاطعنى قائلاً: «اصبر، كل شىء جاى بالترتيب، ولا تقطع حبل أفكارى».
طلب «الخال» أيضا أن ينشر هذا الحوار بعد وفاته، لأنه أدرك أن وقت رحيله اقترب، مؤكدا أنه خلال أيام قليلة سيفارقنا، ومن شدة حرصه على خروج هذا الحوار بأفضل شكل، اصطدم بالزميل فؤاد الجرنوسى، المصور الصحفى، الذي رافقنى في إحدى الزيارات، لرغبته أن تنشر الصور مناسبة للحدث، وكان مصرّا على أن يختار صور هذا الحوار بنفسه، وطلب حذف بعض الصور، خاصة تلك التي تحوى انفعالات كثيرة، معتبراً أنها لا تعبر عن الحالة التي يعيش فيها، «مينفعش بعد ما أموت تنزل صور مثل هذه». وطلب الخال من «الجرنوسي» أن يصوره أكثر وفى أماكن متفرقة في منزله، ومع كلبه الوفى الذي يعتبره «عشرة عمر».
الحوار مع «الخال» دائما غير تقليدى ومختلف لأنه يمتلك من الثقافة والخبرة والحنكة التي تسمح له بأن يشرح قضايا المجتمع ومشاكل الأمة، لكنه هذه المرة كان أكثر اختلافا؛ لأنه تحدث عن بداياته ومرحلة الطفولة وعلاقته بوالده وحبه لأمه، وأثناء الحوار كانت نبرة صوته تتغير لتلائم المرحلة التي يتحدث عنها، فعندما تحدث عن الصعيد والبدايات، كان صوته أكثر خشونة من طبيعته، لأنه كان يعتبر أنه لم يعش مرحلة الطفولة بل صعد إلى الرجولة مباشرة بسبب تحمله المسؤولية في وقت مبكر، وهدأت نبرة صوته عندما تحدث عن زوجته الإعلامية نهال كمال وبناته وافتخاره بهن، وتغيرت إلى الحسم والعنف عندما تحدث عن أعدائه الذين يتربصون له طوال الوقت محاولين تشويه صورته بكل الطرق.
تحدث الأبنودى في حواره مع «المصرى اليوم» عن الهجوم الذي تعرض له خلال مسيرته وبالتحديد منذ بدايته حتى قبل وفاته، سواء من حملات تشويه تعرض لها من قبل شعراء أو «أشباه شعراء» كما وصفهم، الذين اتهموه بقطع الطريق عليهم وتطفيشهم من المهنة، كما تحدث عن تصديه لزمن الإخوان، وأنه هوجم بعنف بسبب وطنيته، مشيرا إلى اعتباره الإخوان والثوريين وجهين لعملة واحدة، فالقوتان تعملان وفقا لمخططات محددة، ووفقا لمبدأ السمع والطاعة وتنفيذ أوامر قادتهم، أيضا أشار الشاعر الراحل إلى تغييره لحياته وأسلوبها منذ أكثر من ربع قرن، ما انعكس على موهبته وعمله، موضحا أن ذلك التغيير نبع من زيجته بالإعلامية نهال كمال التي وفرت له الهدوء والراحة، إلى جانب إنجابه ابنتيه منها.
وتحدث الأبنودى عن وضع الأحزاب في مصر وعزلة الشعراء عن الجماهير، بل تحداهم، مؤكدا أنهم في عزلة عن الشعب، وأنهم لم ينجحوا رغم تواجدهم في قلب ميدان التحرير بين الثوار، لكنه من منزله في الإسماعيلية واصل رحلته للوصول إلى الناس والتعبير عنهم وعن ثورتهم.
وقال الأبنودى: بقدر الحب الغامر من الجماهير قابله دائما إيذاء من بعض عناصر معينة، في مجالات الثقافة والفن، وكان وراء كل ذلك شعراء أو أشباه شعراء أطلق عليهم لفظ شعراء، أو منولوجيستات ودجالين، ووضعوا بعض الكلمات السياسية والشعارات التي انتهت الآن ولا وجود لها؛ «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، كانوا يرون أنى أقطع الطريق أمامهم أو أقدم حالة مختلفة لمثقف ولمبدع، وليس لى شلة ولا حزب ولا عصابة، ولا جلسة حشيش ولا مجلس خمر ليلى، وإنما اعتمدت دائما على موهبتى وإيمانى بما أفعل، دخلت السجن فلم أتاجر به، قطع عيشى مرارًا لم أبلغ أحدا في الوقت الذي كانوا يقولون فيه إن لدىّ مكتبا في شعراوى جمعة وإننى مباحث وعميل، تقريبا «مجرم حرب»، وكنت أنطوى على ذاتى وقد أبيت بلا طعام.
وتابع: بينما ذهب أحدهم إلى الجزائر وفى إحدى الندوات هاجمنى بشدة- أنت تعرف هذا المكان الذي أعيش فيه هل هو قصر أم لا- وسأل عنى في البلاد العربية، (أظننى تركت سمعة لمصر نادرة سواء في «الإمارات، اليمن، سوريا» وغيرها، والبلد الوحيد الذي لم أذهب إليه هو العراق، كنت دائما ضد صدام حسين خاصة أيام الكرنفالات.. وأنا لست «لحاس طبالى» أي موائد، طوال عمرى آكل من عرق جبينى).. سأل أحد الشعراء الجمهور عنى في ندوة وقال لهم إن «الأبنودى» يملك مزرعة في مساحة الجزائر العاصمة، وقال هذا الكلام في ندوة عامة، لكن هذه القسوة في العداء، والقدرة على التشويه وكان من الممكن أن ينال منى فعلاً، وكأنى ريم بحر، ولغبائه لا يعرف كيف تتم العلاقة بينى وبين الأمة أصلًا، لكنهم هاجموه خلال الندوة ووجهوا له شتائم على هذه الأقوال، وأبلغونى أنه قال عنى إننى ملياردير، لا يعرفون أننى كريم، كما أننى لست الرجل الذي يكسب 100 جنيه ويخبيها «تحويش»، كما تعلمنا في الصعيد لا أحد يأكل بمفرده، وبالبلدى «اللقمة لا تتبلع» وهكذا، تجد مثلا سيدات، بنات، شعرا، يرثون نفس العادة.
في زمن الإخوان لم يتصد لهم أحد مثلى، كنت أكتب يوميا مربعات ضدهم، وحين وجدوا الشباب منحازا لى، بدأت تظهر قضية التشكيك ضدى، لدرجة أن ابنة شاعر أخذت قصيدة نشرتها في «المصرى اليوم» ووضعت على صورتى علامة الموتى، وبعدها نشرت شائعة وفاتى، وظللت أطفئ نار الشائعات، لكننى لم أتأثر، «مساكين» سواء أمها أو أبوها ارتزقا من هذه المهنة، وطبعا هذا ليس لوجه الله، والكراهية لا تنزل على الإنسان كالوحى ولكن لأسباب موضوعية.
اتهمونى بأننى على علاقة بمنظمات، هيئات تخريبية وليست الأمور بالبساطة التي نعيشها، ولذلك تجدنى أضع في منزلى لوحات تعبر عن المعنى الذي يدور في ذهنى، ثم أشار إلى الأولى وطلب منا أن نصورها، مكتوب فيها قال تعالى «إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، ثم سكت قليلا وقال «ربنا قال كده»، واللوحة الثانية للمتنبى «إنّى وإنْ لُمْتُ حاسدِىّ فَمَا، أُنْكِرُ أنّى عُقُوبَةٌ لَهُمُ.. وكَيفَ لا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ، لَهُ على كلّ هامَةٍ قَدَمُ. يَهابُهُ أبْسأُ الرّجالِ بِهِ، وتَتّقى حَدّ سَيْفِهِ البُهَمُ.. كَفانىَ الذّمَّ أنّنى رَجُلٌ، أكْرَمُ مالٍ مَلَكْتُهُ الكَرَمُ».. هؤلاء الذين يعيشون على محاولة تعطيل التقدم، وإخفاء الضوء، وهذه مهنة في حد ذاتها، ما يريح أن تقارن بين مهنتك ومهنته، أن تضىء للناس الرؤية أن تحلم ببلد جميل، مثل الذي تكتب عنه، وأما هم فيحلمون ببلد يرتزق منه، ولا يرتزق من البلاد المستعمرة والمهجورة، وكراهيتهم للسيسى تأتى لأنه وضع قدمه على الطريق الصحيح.
أيضا لا أتخيل كيف يمكن أن تكون ثوريا وأنت مثلا تعيش علاقة في بيتك خانقة، ولا تستطيع القيام بثورة من داخلها، فتقبل كل الأوضاع الاجتماعية الخاطئة وتنحنى أمام جبروتها بدون ثورة، وتخرج للناس تدعى أنك ثورى، وأنك تريد أن تغير البلد، ومن المفروض أن تغير وضعك أولًا، تعلّم في الصغيرة حتى تستطيع القيام بالكبيرة، فإذا ما وجدوك أنت مارستها بشجاعة، انقلبوا عليك كالذئاب، اخترعوا ألوانًا من الأكاذيب بلا رحمة، ولم يتعلموا من أننى دائما لم يحدث لى شىء، لأنى أعرف طريقى، ولأنه لا يوجد فلاح صعيدى لا يعرف طريقه.
أنا لست مخادعا ولا غشاشا ولا مضطرا للكذب، وأصادق الناس بقلبى فعلًا، وليس لى منفعة، ومن يتخاذل في صداقتى سرعان ما أقفز بعيدا عنه قبل أن يؤذينى، لذلك فإننى غيرت حياتى منذ أكثر من ربع قرن ومازالوا يحاولون الطعن في العلاقة، ويثيرون المشاكل بينى وبين العالم القديم، طبعا أنا لا أهتم لكنى أتعجب من أناس مثقفين، يكون هذا عملهم فقط، وهى قضايا لا تهمهم على الإطلاق.. حتى لو نظرنا إلى شعرى، أنا شعرى لم يكتمل أو يأخذ صورته المكتملة إلا حين عرفت الراحة والهدوء في علاقتى الجديدة «الزواج من نهال كمال» وأنجبت بناتى «آية ونور».
كل هذا يجعلنى أطرح سؤالًا، لماذا الأحزاب في مصر لا تجد جماهير؟ ولماذا الجماهير في مصر مازالت تعتمد على رموزها ووسائلها القديمة في الانتخابات والحياة السياسية؟ على الرغم من هذه الثورات المدوية، ذلك لأن كل مثقف يعمل منفصلا عن الجماهير في معمل خاص، وكأنه يحضر مواد كيميائية، أنا أعجز في بعض الأحيان عن قراءة بعض المقالات وأتساءل لماذا نكتب عن الناس إذا كانوا لا يمكن على الإطلاق لهم قراءتنا، وإذا قرأونا لا يفهمون، ولماذا نتبارى نحن في لعبة تخصنا فقط، ولا تخص مصر ولا الناس من قريب أو بعيد؟ وأضحك حين أرى النزاعات بين الأحزاب والتحالفات التي تشتبك وتنفض ولا يقف أحد منهم ليسأل نفسه أين الناس من هذه المعركة التي تدور في منتصف المدينة، والتى تجتذب الشباب الصغير «الفيس بوك» الذين يتعلمون السياسة من خلال النكت، التي يحترف البعض صنعها ليزيد من غربة هؤلاء الشباب «التويتى»، ويتعانق المثقفون الثوريون مع الإخوان- دون أن يدركوا- في تأسيس وتأصيل هذه اللعبة وجعلها المصدر الوحيد لثقافة الشباب.
و في أغنية «أهو ده اللى صار واللى كان ملكش حق تلوم علىّ»، هذه الأغنية وبالتحديد هذا البيت كأنه كتب خصيصا لفلاح مصرى، أشعر دائما أن رجل الشارع يقول لهؤلاء الذين يعتقدون أن لهم جماهير تتجمع حولهم، ولا يعرفون متى تخرج الجماهير وتوافقهم على الخروج، ومتى على الإطلاق لا يخرج رجل واحد إليه، ولا يعرف أحد قانون للشعب المصرى، ونحن واقعون في خطأ رهيب هو تثبيت اللحظة، كأن العالم بدأ اليوم وسينتهى اليوم، لا يتخيل أحد ماذا سيحدث بعد 50 عاما وهذا عنصر أساسى في الرؤية أن تأتى من الماضى إلى آخر المستقبل في حدود ما تستطيع أن ترى.
أحيانا أقول لبعض الأصدقاء من الممكن أن تأتى أجيال تبحث عن أشعارنا التي تشتم أحيانا كما تبحث عن المخدرات ولا تجدها، مصر ليست هي اللحظة التي نعيشها، حتى وأنا أكتب عن«حراج القط» عامل السد العالى أو عن تجربتى في حرب الاستنزاف، كان الناس امتدادا لبشر رحلوا وتمهيدا لبشر قادمين، ولذلك كثيرا ما نصطدم مع الثوريين الذين يرتدون لباس الثورة لأننا كيانان، كيان رباه الكتاب والتجربة، وكيان يعيش على سطحية النكتة وتبادل المعلومة، في عالم افتراضى أوهمه به الآخرون، سواء كانوا هم أو شباب الإخوان المسلمين فإنهم يعملون بنفس الطريقة يتلقون نفس الأوامر وعليهم الطاعة ولا سبيل لهم للانفلات.
لا يستطيع أحد من شباب الثوريين أن يحبنى إلا بالأمر، نحن لم نر هذا في الستينيات، كان الجميع يسهم أن يعطيك الكتاب ويسهل لك سبيل المعرفة والاختلاف، وما يتم جريمة، إننا سنموت ويكون هؤلاء قادة المستقبل، والغريب كما ذكرت أن لعبة الفيس بوك ووسائل الاتصال يلعب الاثنان «القوتان» بنفس الأهداف والآليات والتوافق، كأن الإخوان ثوريون، والثوريين إخوان، وصدق لينين عندما قال إن «أقصى اليسار هو أقصى اليمين».
توجد مفارقات كثيرة لا أحب أن أتحدث عنها لأنها تصلح لمقاهى المثقفين، وأنا لا أتحدث عنها، مثلا في الوقت الذي كانوا يدعون فيه أننى عميل مباحث كان النائب العام عبدالمجيد محمود رئيسا لنيابة أمن الدولة يحقق معى، وأنا مقدم للتحقيق بمقتضى قانون العيب الذي لم يحاكم به غير هيكل والأبنودى، وكنت أخرج من مبنى نيابة أمن الدولة العليا متجها إلى الإذاعة، وكنت أتحدث وكأنه لم يحدث شىء، لأننى لا أدعى الشجاعة، وأنا لا أعمل «مثلما نأكل ونشرب أيضا أسجن»، أنا أعرف أن هذه هي العقوبة وفى الوقت الذي يشتد الحصار علىّ، والهدف أن أكف عن الكتابة، وأحيانا كثيرة كنت أشعر أن مباحث أمن الدولة أرحم علىّ من اليسار المصرى، تخيل أن أقول مثل هذا الكلام وأن يجبرونى أن أقول ذلك، لأن مباحث أمن الدولة كانت تلقى بالكلمة في وسط المثقفين ويقوم المثقفون بالدور في تجريحى وطعنى، لكن دائما وراء كل التهجمات التي عانيتها في حياتى، شعراء محبطون، وللأمانة أنا لم أعرف شعراء حقيقيين في حياتى سوى «فؤاد حداد، صلاح جاهين، محمود درويش، صلاح عبدالصبور، أمل دنقل» ورزقى على الله.
وفى الوقت الذي كنت أمد فيه اليد للشعراء الجدد وأقدمهم في أمسية خاصة في معرض الكتاب، وظهر منهم شعراء ملهمون، كنت أنا متهما بأننى ضد الشعراء وأننى فردى وأننى أريد الاستيلاء على أرض الشعر لأنه ملكية خاصة، وها أنا ذاك على مدار 7 سنوات بعيدًا ومازلت أقدم أشعارى ومازلت أقرؤها، ومن سوء حظ مصر أنه لم يخرج حتى الآن من يجعلنا نجلس ونستريح.
في الستينيات كانت مصر مزدحمة بالعمالقة، وكان علينا أن نكافح ونشد الأوتار إلى أبعد حد لكى نقف بينهم، ونافسناهم ووقفنا إلى جوارهم، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم يستطع أحد أن يحركنى من موقعى، وهذا يعنى أن مصر في حالة موات، كنت آمل في الزمن الجديد أن ربنا يهدى الشعراء ويخرجوا من تحت صفوة المعلمين، ليروا مصر جيدا وليأخذوا المكان الذي يستحقونه، وتوجد أشياء من الصعب أن أقولها، ففى بعض الأحيان أشعر أن الديمقراطية «وبال»، لكنى لا أقدر أن أقول في بلاد مثل بلادنا، نحن نحتاج إلى حاكم قوى يكون عادلا إنما الديمقراطية حبة صيّع، ومصر تمشى خطوة يجروك 10 خطوات، لعبة ليست إنسانية، سوف يتركون كل شىء ويعلقون على هذه الجملة، يتصيدون الأخطاء، لكنها حقيقة، لو هناك ديمقراطية لما بنى السد العالى، لو عبدالناصر لم يسجن الإخوان المسلمين لما قدم هذا الإنجاز، هذا رأيى أن في بلاد غير مثقفة، بلاد لم تنضج فيها الحركة الشعبية، بلاد منفصلة فيها الطليعة عن جماهيرها بهذه الطريقة البشعة، نحن والناس، هل الرجل الفقير يعرف أن هناك أحزابا في مصر؟.. يعرف فقط أن الخبز أصبح على بطاقة التموين.
شهرتى زادت ويكفينى هذا فارقا بينى وبين غيرى، ليس على سبيل الفخر، ولكن ليحاول الآخرون البحث في الأسباب ولماذا رغم كل حملات التشويه، لم يحدث أن شوهت الناس، وماذا يفيد أن تعيش عمرك كله لا تنظر إلا للآخرين ولا تنظر لنفسك لحظة واحدة، ولا تعانى غربة أن تعيشها فعلا، ولا تستطيع الفشل الذي أنت فيه، إذا كيف سوف نصلح أنفسنا، ونصلح مجتمعاتنا ونسعى للتغير سعيا حقيقيا، وليس أن ألتقيك على المقهى وأقول وتقول ونستريح، ونذهب للنوم، انظر إلى التليفزيون.. نحن أبدع وأبرع من يتحدث في قضايا مصر، ولكننا نقولها وننصرف لننام، نحن أفضل من يكتب مقالات في العالم العربى، ليس فينا من ليس موهوبا ونعرف أمراض بلادنا جيدا، ولكن ماذا نفعل بعد كتابة المقال نذهب لننام، هل توحدنا هل حاولنا أن نرتبط جميعا في عقل واحد يغير هذا البلد، مستحيل لأننا فريدون إلى أبعد الحدود، ويقولون فراعنة، ملوك العمل الجماعى، وأين نحن من الفراعنة، والفرعون الوحيد الذي عرفناه في زماننا هو «عبدالناصر» الذي استطاع أن ينجز «السد العالى»، بينما يلسّن بعضنا ويسخر من موضوع محور قناة السويس ويقف كأنه يريد أن يلقى بجثته أمام المشروع كى لا يتحقق، يعنى الفردية تأكلنا، نحن مرضى بالكلام.