الأستاذ وودى آلان فى ذروة التألق ويقدم درساً فى فنون السينما

سمير فريد الإثنين 18-05-2015 21:01

عرض خارج المسابقة الفيلم الأمريكى الروائى الطويل «رجل طائش» إخراج وودى آلان، والمعروف أنه لم يقبل الاشتراك فى أى مسابقة منذ أول أفلامه عام 1966، وإن فاز بعدة جوائز أوسكار، حيث لا تشترط المسابقة الأمريكية الشهيرة موافقة المخرج على التسابق.

هذا هو الفيلم الروائى الـ45 لفنان السينما الأمريكى الذى يعتبر من كبار المخرجين فى أمريكا والعالم منذ أربعة عقود ويزيد. وهو من المخرجين الأمريكيين القلائل الذين لهم عالمهم الفنى الذى يجمع ببراعة بين المدرسة الأمريكية والمدرسة الأوروبية، ومن مؤلفى السينما القلائل الذين يجمعون بين الإخراج وكتابة السيناريو والتمثيل، وبين الأفلام ذات الجمهور الخاص والأفلام ذات الجمهور الكبير.

وودى آلان غزير الإنتاج رغم أنه لا يقدم أى تنازلات فنية، مثل برجمان وجودار فى عمر الشباب، وهو أمر نادر فى تاريخ السينما. كما يتميز بأنه لا يزال غزير الإنتاج بمعدل فيلم كل سنة رغم أنه فى التاسعة والسبعين من عمره، وهى القدرة الأكثر ندرة، ونموذجها دى أولفيرا الذى ظل يصنع الأفلام بعد أن تجاوز المائة.

ورغم أن أفلام وودى آلان تتكامل فى التعبير عن عالمه، فهذا لا يعنى أنها غير متفاوتة فى مستواها الفنى، ومنها ما يرتقى إلى مستوى التحف من «آنى هول» 1977، و«منهاتن» 1978، و«زيليج» 1983، و«هانا وأخواتها» 1986، و«أيام الراديو» 1987، إلى «أفروديت القوية» 1995، و«منتصف الليل فى باريس» الذى افتتح مهرجان كان 2011.

درس فى فنون السينما

وفى فيلمه الجديد «رجل طائش» يبدو الأستاذ فى ذروة التألق والتوهج، ويقدم درساً فى فنون السينما كما يجب أن تكون، وهى السيناريو والإخراج والتصوير والمونتاج والميكساج، وكذلك فن التمثيل، حيث يدير مباراة ممتعة بين ثلاثة من الممثلين الكبار حقاً.

تم تصوير الفيلم للشاشة العريضة بالألوان. وليس من بين أفلام آلان سوى أربعة فقط قبل ذلك مصورة بهذا الحجم، واختيار هذا الحجم لفيلم عن شخصية تعانى من القلق الداخلى يعتبر تحدياً فنياً، ولكن الفنان مع مصوره داريوسكوندجى ينجح تماماً فى ذلك.

الفيلم عن آبى (يواكيم فونيكس) أستاذ الفلسفة الذى يناهز الخمسين وينتقل للعمل فى جامعة مدينة أمريكية صغيرة. ومن المشهد الأول وهو يقود سيارته ويدخل المدينة لأول مرة يبدو محبطاً ويشرب الخمر باستمرار من زجاجة يحملها فى جيبه. ونحن لا نغادر المدينة قط، ونظل فى الزمن الحاضر طوال الفيلم، وعلى شريط الصوت يعبر آبى عن أفكاره، وكذلك الراوية الثانية تلميذته جيل (إيما ستون).

كل ما نعرفه عن آبى من خلال روايته ورواية جيل وحوارات الآخرين عنه، وكلها ما بين الإشاعات والحقائق عن أمه التى ماتت منتحرة، وزوجته التى هجرته إلى أعز أصدقائه، وصديقه الصحفى الذى قتل فى انفجار لغم فى العراق أو أفغانستان، وأنه كان ناشطاً سياسياً فى شبابه ويريد تغيير العالم.

يقول آبى فى أولى محاضراته أن «الفلسفة مثل العادة السرية»، ويثير انتباه تلميذته المتفوقة جيل، والتى ترتبط مع زميلها روى (خايميبلاكلى)، كما يثير انتباه زميلته أستاذة الفلسفة ريتا (باركر لوسى) التى تعانى من الفشل فى حياتها الزوجية، وتدفعه دفعاً لإقامة علاقة معها.

يستسلم آبى لإغواء ريتا، ولكنه يفشل معها جنسياً، فيزداد إحباطه، ثم يستسلم لجاذبية جيل، ولكنه يحتفظ بمسافة بينهما. وفى قلب الفيلم أثناء تناول الغداء مع جيل فى أحد المطاعم، يستمع آبى إلى امرأة فى المائدة المجاورة تبكى حظها العاثر لأنها انفصلت عن زوجها، وتآمر الزوج مع قاضى فاسد ليحرمها من أولادها. وهنا يتخذ آبى قراراً بقتل هذا القاضى، وتتغير حياته تماماً فى هذه اللحظة، بل يستعيد قدرته الجنسية مع ريتا ثم مع جيل. وتبدو براعة استخدام لغة السينما فى هذا المشهد، حيث نرى المنظر الكبير الوحيد طوال الفيلم لوجه آبى، فالبراعة ليست فقط فى استخدام مفردات اللغة التى يختارها الفنان، وإنما أيضاً فيما يستبعده منها.

هنا قرار القتل ليس من أجل المال أو الانتقام أو الحب أو الكراهية، وإنما من أجل إثبات ذاته بارتكاب «الجريمة الكاملة» مع الإشارة إلى دستوفيسكى الذى شغلته الجريمة والعقاب والقاتل الحقيقى وأداة القتل، وهو موضوع شغل وودى آلان فى أكثر من فيلم من أفلامه.

يرتكب آبى «الجريمة الكاملة»، ولكن جيل تكتشف أنه القاتل. يقول آبى على شريط الصوت «الجريمة الأولى تؤدى إلى الثانية»، ويحاول قتل جيل بأن يلقى بها فى بئر المصعد، وعندما تقاومه تنزلق قدمه، فيسقط فى البئر. والإشارات العديدة فى الفيلم إلى فلسفات كانت وهيدجر وسارتر وكيركجارد قد تجعل الفيلم يبدو لجمهور خاصا جداً، ولكنه فى نفس الوقت بالنسبة للجمهور الكبير فيلم بوليسى عن مجرم يلقى جزاء إجرامه.

وودى آلان: لو شاهدت أفلامى

سوف أعيد إخراجها

لا يغادر وودى آلان نيويورك، ولا يحضر المهرجانات التى تعرض أفلامه إلا نادراً، وقد حضر عرض «رجل طائش» فى مهرجان كان، وكان مؤتمره بعد عرض الفيلم حاشداً.

وفى إجابة عن سؤال هل يشاهد أفلامه، قال: «لا أشاهد أفلامى بعد أن أتم صنعها، ولو شاهدت أى منها سوف أرى الأخطاء، وأتمنى أن أعيد إخراجها كلها».

samirmfarid@hotmail.com