كامب ديفيد.. وحقيقة الرهان الأمريكى

جمال طه الأحد 17-05-2015 21:21

فى 2 إبريل الماضى وجه أوباما دعوته لحكام الخليج للقاء كامب ديفيد، لإقناعهم بقبول الاتفاق الإيرانى، وبالتالى تثبيته داخلياً فى مواجهة مراجعات الجمهوريين المتوقعة لسياساته الخارجية، وتبديد قلق الشركات الأمريكية على مصالحها بالخليج.. فى 5 إبريل نشرت «نيويورك تايمز» تأكيد أوباما لتوماس فريدمان أن «الخطر على دول الخليج ليس إيران، وإنما هو استياء شعوبها من غياب الإصلاحات، وفرص العمل، والمساواة» داعياً حكوماتها لأن تكون أكثر استجابة لمواطنيها!!.. قبل اللقاء بعشرة أيام تلقى أوباما من «هيومن رايتس ووتش» تقريراً عن تدهور حالة حقوق الإنسان بدول الخليج، مشفوعاً بخطاب يطالبه بالضغط على حكامها لتحقيق «الإصلاح» فى بلادهم.. ضغوط واضحة، ومحاولات ترويض مسبقة للمفاوض الخليجى.. العاهل السعودى رد بالاعتذار، وأوفد بن نايف وبن سلمان، وملك البحرين فوض ولى العهد، سلطان عُمان وحاكم الإمارات تغيبا لمرضهما، مثَّل الأول نائب رئيس الوزراء، والثانى ولى عهد أبوظبى، واقتصر التمثيل الشخصى على أميرى الكويت وقطر.. أمر يعكس دلالات سياسية بالغة الأهمية، رغم محاولات التبرير.

الضغوط المتبادلة لم تمنع الجانبين من الاهتمام بالتحضير الجيد لأول لقاء خليجى أمريكى على هذا المستوى، بعد فشل دعوة أوباما السابقة لعقد الاجتماع بالرياض 28 و29 مارس 2014، نتيجة لخلاف السعودية والإمارات والبحرين مع قطر.. محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى قابل أوباما بواشنطن 21 إبريل، جون كيرى زار الرياض 8 مايو، كما التقى وزراء خارجية دول مجلس التعاون بباريس فى اليوم التالى، وزراء الخارجية اجتمعوا 30 إبريل، للإعداد للقاء التشاورى لقادة دول المجلس 5 مايو، الذى شارك فيه الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، وهى السابقة الأولى لمشاركة رئيس أوروبى فى اجتماعات المجلس منذ إنشائه.. تلويح جدى ببديل للتحالف التقليدى مع واشنطن، هولاند أعلن «أمن الخليج من أمن باريس، ولن نتردد فى أى عمل حتى لو كان عسكرياً من أجل حلفائنا»، ضخامة حجم التبادل التجارى «20 مليار يورو»، واستيعاب السوق الخليجية لـ8% من الصادرات الفرنسية، و25% من مبيعات الأسلحة، وتطابق الموقفين الفرنسى والسعودى من أزمات المنطقة، حوَّل التلويح لتهديد جدِّى.

صياغة البيان الصادر عن الاجتماع عكست حرص واشنطن على تسويق اتفاق (5+1) مع إيران، وإزالة مبررات القلق الخليجى منه، بدءاً بإعلان الشراكة الاستراتيجية، والتعاون الدفاعى والأمنى، ووضع حلول جماعية للقضايا الإقليمية، وانتهاء باستعدادها لاستخدام القوة لحماية المصالح المشتركة بالمنطقة.. عبارات لا قيمة لها فى الواقع العملى مالم تُشفَع باتفاقيات ملزمة.. أوباما تمسك بالنص صراحة على التزام دول الخليج بالتشاور المسبق مع واشنطن عند التخطيط لأى عمل عسكرى خارج حدودها، على نحو يعكس معارضة أمريكا لإنشاء القوة العربية المشتركة، وهو- فى تقديرى- أهم أهداف الدعوة للقمة.

أوباما أعاد طرح مبادرة تشاك هيجل، وزير الدفاع السابق، أواخر 2013، بإنشاء نظام دفاع صاروخى موحد، وربط شبكات الرادار والإنذار المبكر وأجهزة الاستشعار، وهو عرض لم ترَ فيه دول الخليج أى إضافة لنظام الدفاع ضد الهجمات الجوية والصاروخية Patriot الذى تم نشره بالسعودية ودول الخليج منذ 1990، واستخدم فى التصدى لبعض صواريخ صدام إبان حرب الخليج، والذى تم تحديثه وإضافة نظام Thaad.. والحقيقة أن هذين النظامين لم يثبتا الفعالية والكفاءة التى تتناسب وضخامة التكلفة، مما يفسر شراء تركيا- رغم عضويتها للناتو- لمنظومة الدفاع الصاروخى الصينية (FD-2000)، وذلك لكفاءتها وانخفاض تكلفتها، وبدء إسرائيل عملية إحلال درعها الصاروخية بنظام «أرو»، الذى تطوره بنفسها، وتنتجه شركة «بوينج».. وبالطبع فإن النظام الأخير لا يدخل ضمن المنظومة التى تعرضها أمريكا على الخليج، كما لن تدخل طائرات F35، التى قررت واشنطن اقتصار تصديرها على إسرائيل، ما يفقد النظام الدفاعى المعروض أى إضافة، باستثناء الربط بين شبكات دول الخليج، وهى مسألة تواجه صعوبات إدارية وأمنية وتقنية بالغة.. وتقديرى أن دول الخليج التى تعانى ميزانياتها من أعباء مثقلة نتيجة انخفاض أسعار البترول، وارتفاع تكلفة التزاماتها الدفاعية، ستحاول التملص من ذلك العرض، الذى لا يحقق أى مردود عملى، سوى ضخ مليارات الدولارات فى الاقتصاد الأمريكى، تضاف لمشترياتها التى بلغت حوالى 500 مليار دولار من 2002 إلى 2012، بخلاف مشتريات السعودية 2014 التى تجاوزت 80 ملياراً، والإمارات 23 ملياراً، وقطر 11 ملياراً.

■ ■ ■

تجاوز الإغراق فى متابعة التطورات الإقليمية المتسارعة، والتدقيق فى الأهداف الاستراتيجية الأمريكية يؤكد أن تعاونها مع إيران مازال يمثل أحد المحاور الرئيسية لحركتها، رغم إدراكها لما طرأ من تطورات على السياسة الإيرانية منذ وصول الأئمة للحكم 1979، وتحولها إلى حليف استراتيجى لروسيا والصين، وقوة إقليمية تلعب لحسابها.

إذن ما هو الهدف من استمرار تعويل أمريكا على الدور الإيرانى بالخليج والمنطقة العربية؟!

تعلمنا من لُعبة السياسة أن الحقائق على الأرض هى الأقرب لنظرية المؤامرة.. الهدف الاستراتيجى للسياسات الأمريكية فى منطقتنا العربية- التى يصنعها اللوبى الصهيونى- هو ضمان أمن إسرائيل، من خلال واقع يتم فرضه من داخل الإقليم، دون الاعتماد على ضمانات خارجية، حتى لو كانت أمريكية، وهو الهدف الذى من أجله وُضِعَت ونُفِذَت استراتيجية «الفوضى الخلاقة» منذ 2006، لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية، تنشغل عن إسرائيل بصراعاتها، وتسهل السيطرة عليها، مصر أفشلتها بانتفاضتها ضد الإخوان فى30 يونيو 2013، الاستراتيجية الأمريكية البديلة تعتمد على استخدام إيران كـ«فزاعة» لدول المنطقة.. الاتفاق الإيرانى يتضمن إنهاء العقوبات، والإفراج عن الأرصدة المجمدة «120 مليار دولار»، ما يسمح لإيران بمزيد من التمدد، ومضاعفة قدراتها النووية بعد انتهاء فترة الحظر وفقاً للاتفاق «سواء 10 أو 15 عاماً»، وهذا التهديد يفرض على دول الخليج البحث عن ضمانات لأمنها، بعد تزعزع ثقتها فى واشنطن، نتيجة تخليها عن الأنظمة الموالية بالمنطقة.. أول البدائل المتاحة وفقاً للاستراتيجية الخليجية التقليدية هى اللجوء لتحالفات إقليمية، باكستان وتركيا كانتا القوتين المرشحتين، خاصة مع امتلاك الأولى لسلاح الردع النووى، وعضوية الثانية بالناتو، لكن تخاذلهما عن المشاركة فى «عاصفة الحزم» أسقطهما كبديل، البديل الثانى هو التحالف مع قوة أوروبية.. التعاون الفرنسى يتنامى منذ سنوات، لكن دول الخليج تدرك أن دافعه المصلحة الاقتصادية، فرنسا لن تحارب معركتهم إذا ما بدأت المواجهات.. البديل الأخير، والرهان الأمريكى، هو فرض تحالف- غير مُعلن- بين دول الخليج وإسرائيل، خاصة أنهم يتفقون على معارضة الاتفاق الإيرانى، ويشتركون فى القلق من قدراتها النووية.. امتلاك إسرائيل للنووى، وقدراتها العسكرية، التى تمكنها من ضرب المفاعلات الإيرانية، يجعلها أهم البدائل.. توحد موقف دول الخليج مع إسرائيل ضد إيران يُنهى سنوات المواجهة العربية الإسرائيلية، ويحقق توازناً للردع بالمنطقة.. هذه الاستراتيجية ليست وليدة الساعة، وإنما يتم الإعداد لها منذ سنوات، ما يفسر ضرب المفاعل النووى العراقى 1981 بمجرد وضوح طموحه فى امتلاك طاقة نووية، وكذا القرار الأمريكى بضرب العراق بعد تغلبه على إيران فى حرب الخليج الأولى، ثم احتلال أراضيه بعد حرب الخليج الثانية، فى الوقت الذى لم يتم التعامل بالمثل مع القوة النووية الإيرانية المتنامية.

رغم تعدد البدائل والرهانات، فإن الضمانة الحقيقية لأمن الخليج ترتكز على ثلاثة عناصر.. عروبة توجهات واختيارات قادته، والاطمئنان إلى أن النظام الدولى لا يسمح باستخدام السلاح النووى، وبالتالى يحيده، والثقة بجدية الالتزام المصرى بـ«مسافة السكة».

gtaha2007@gmail.com