قرار المستشار عزت خميس، مساعد أول وزير العدل، بنقل كل مقار دوائر محكمة العريش، الكلية والجزئية، إلى محافظة الإسماعيلية، اعتباراً من صباح «الأحد»، جاء متأخراً بعد أن خطف طائر الإرهاب الأسود شباب النيابة العامة على قارعة الطريق.
الدولة فى حالة حرب فى العريش، وتترك القضاة الذين يحاكمون الإرهابيين بما صنعت أيديهم، فريسة، صيداً ثميناً، لقمة سائغة، دوماً يأتى التحرك بعد فوات الأوان، أبجديات المعركة إبعاد الأهداف السهلة بعيداً عن مرمى النيران، ولكن هيهات، الإرهاب يلُغّ حتى يشبع من دمائنا ونحن عنه غافلون، حد عاقل يضع النيابة تحت رحمة هؤلاء الكفرة!!.
عموماً قرار صائب، ولكن الصائب أيضاً أن نعى أن حياة نفر من القضاة الأجلاء، الذين يتصدون لقضايا الجماعات الإرهابية، فى خطر داهم، مهددون بالاغتيال، وأسماؤهم وأرقام هواتفهم وعناوين منازلهم ومنازل عوائلهم ومدارس الأولاد، مرصودة.
حسناً، المستشار شعبان الشامى، قاضى إعدام مرسى، يبدى شجاعة، لا أخشى إلا الله، ولكن ربنا عرفوه بالعقل، والعقل يقتضى الحكمة، والحكمة تقول بتوفير أقصى درجة من الأمن لهؤلاء المتصدين للقتلة، هؤلاء الأبطال الذين لم يجبنوا خوفاً، ولم يتنحّوا حرجاً، ولم يخشوا فى إرهاب الجماعة تهديداً ووعيداً وتفجيراً وترويعاً، حيواتهم غالية، وتأمينهم على نحو يحفظ أمنهم وأمانهم ويبعدهم بالكلية عن رصاصات هؤلاء المجرمين ومخططاتهم الخسيسة، واجب وطنى.
نحتسبهم شهداء، أعلم أن هؤلاء الرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويحكمون بالعدل، ولا نطلب منهم إجحافاً، والحكم عنوان الحقيقة، أما الحقيقة فعند الله، وأعلم أنهم لا يخشون إلا الله، ولا يخافون فى الحق إرهاب جماعة، ولكن حمايتهم تدخل فى باب الأمن القومى، أخشى أننا نحتاج إلى برنامج «حماية القضاة» على غرار برنامج «حماية الشهود» حتى لا تطولهم أيدى عصابات الإرهاب.
لن يجود الزمان بمثلهم، شجاعة ومهابة وتصدياً وإقراراً للعدل، هؤلاء لا نطلب لهم مدحاً، القاضى لا يُمدح ولا يُذم، ولكن نطلب لهم أمناً، هؤلاء باليقين على قوائم الاغتيالات، من هنا وفى ضوء مجزرة العريش، ومحاولة اغتيال المستشار خفاجى وقبلها المستشار محجوب، وقبل قبلها، لابد من مراجعة أمنية صارمة للأطواق الأمنية من حول هؤلاء، لابد من رقابة أمنية لصيقة، ليس لقاضى المنصة، بل للهيئة القضائية، منصة ونيابة، النيابة أيضاً مستهدفة بضراوة، ومجزرة العريش استهدفت النيابة التى هى محامى الشعب.
أخطر من إجرام الإرهابية، عدم اكتراث هؤلاء المحترمين بالاغتيالات، أغبط المستشار خفاجى على نجاته من محاولة آثمة لتفجير سيارته، ربنا الحارس، ولكن لا أغبطه أبداً على استهانته بمحاولة الاغتيال، يقول إنها «لعب عيال»، لا يا سيادة المستشار، ليست لعب عيال، إنها عمليات مخططة ومدروسة، وإليكم ما حدث فى العريش، وأخشى أنها ستتكرر، والتهوين من خطورتها يورثنا عجزاً عن تأمين حياة المحترمين، ونندم ثانية يوم لا ينفع الندم.