هل أساء السفير البريطاني إلى المصريين؟

الدكتور مصطفى النجار الجمعة 15-05-2015 21:29

نشر السفير البريطاني بالقاهرة تدوينة قصيرة على موقع تويتر عن وظائف بالسفارة البريطانية وأعقب الإعلان بقوله: نقبل ابن عامل النظافة، أثار ما كتبه السفير موجة غضب لدى بعضهم ممن اعتبروا أن هذا تدخل في الشأن الداخلي المصري، وسارعوا بتدشين هاشتاج على موقع تويتر يطالب بطرد السفير البريطاني، وبمتابعة التعليقات التي وردت على الهاشتاج إياه فوجئ المتابعون بأن النسبة الأكثر من التعليقات جاءت مؤيدة لما كتبه الرجل وتثنى على موقفه وترى فيها لفتة إنسانية طيبة وليس تدخلا في الشؤون الداخلية المصرية كما اعتبره البعض.

من البديهي أن ما كتبه السفير البريطاني جاء إثر أزمة تصريحات وزير العدل السابق الذي قدم استقالته بعد موجة الغضب التي لاحقته عقب قوله إن أبناء عمال النظافة لا يمكن أن يتم قبولهم بالسلك القضائي في مخالفة للمواثيق الدولية والدستور المصري الذي يقر المساواة بين المواطنين ويمنع التمييز على أي أساس.

موجة البذاءة التي لاحقت السفير البريطاني تعبر عن تيار عنصري ومريض ومشوه نفسيا داخل مصر، هذا التيار لا يخجل من الدفاع عن عنصرية بغيضة وتمييز مشين بين البشر، بل يحاول التأصيل لهما كما فعل رجل آخر بعد وزير العدل حيث خرج يقول في الصحف إن (العرق دساس) وإن أبناء عمال النظافة يعيشون على (الشحاتة والتسول) إلى آخره من الإساءات التي لا يمكن تخيل صدورها من رجل كان يجلس تحت ميزان العدل ويفترض أن يقيمه بين الناس!

احتقار الناس لأي سبب سواء كان اختلاف دين أو مستوى اجتماعي أو تعليمي أو غيره هو خطيئة إنسانية تنتمي لعقد النقص التي يشعر بها أصحابها مهما كانت مكانتهم، من يحتقر البسطاء ومن يطلب من الناس أن يخجلوا من جذورهم هو كائن مريض يحتاج لعلاج وتأهيل نفسي قبل أن يحتك بالمجتمع.

من صور الانحطاط الإنساني التي أصابت المجتمع أن الناجحين والمشاهير كانوا قبل ذلك يتفاخرون بنشأتهم البسيطة وقصص كفاح أهلهم ويحرصون على حكايتها والاعتزاز بها، أما الآن فهناك طبقة نشأت في مصر على مدار الثلاثة عقود الماضية احتمت بالمال أو النفوذ أو السلطة أو الشهرة وتبدلت مفاهيمها الإنسانية وتشوهت حيث صارت تضع نفسها في مكانة فوق البشر وتعامل المصريين بمبدأ الأسياد والعبيد رغم أن ثرواتهم ورواتبهم هي من قوت المصريين الذين يفترض أنهم أجراء عندهم يعملون لخدمتهم لكن عكس هؤلاء المشوهون الصورة ويريدون أن يحولوا المصريين إلى خدم لديهم وعبيد!

لا يتفاخر على الناس إلا ناقص ومريض، ولا يستعلي على البشر إلا مشوه ومختل، وكما تقول الحكمة (التكبر على أهل الكبر صدقة) فهؤلاء المشوهون يجب أن يعرفوا حجمهم الحقيقي وأن يتعلموا رغما عنهم أن الله قد خلق كل البشر متساوين في الحقوق والواجبات وأن محاولة بعضهم لتمييز أنفسهم بازدراء الناس يجب التصدي لها بكل قوة عبر إقامة منظومة جديدة تكسر احتكار الوظائف والمناصب المهمة وتعطي الحق لكل مواطن في الحصول على نفس الفرصة التي يحظى بها غيره من أبناء هؤلاء.

لم يسئ السفير البريطاني إلى المصريين وإنما أساءت هذه الثلة المشوهة لمصر حين تبنت العنصرية منهجا وباركت التمييز بين البشر ويريدون أن يجعلوها (وسية) وهذا لن نرضاه أبدا ولن نألو جهدا للعمل على مقاومته وتغييره من أجل وطن كل الناس فيه سواء.