لا أعرف مدى دقة الأنباء التي نقلت أمس الأول، عن رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، قوله بأنه إذا لم تقدم اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام- التي تتكون من 50 عضواً وتضم ممثلين للمجلس الأعلى للصحافة، ونقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين- تحت التأسيس- وممثلين للصحافة والإعلام الخاص وأساتذة في الإعلام والقانون- المشروعات التي أعدتها لهذه التشريعات، خلال أسبوعين، فإن الحكومة سوف تتخذ إجراءات استصدار المشروعات التي قدمتها إليها اللجنة الاستشارية التي شكلها رئيس الوزراء لهذا الغرض، وأثار تشكيلها اعتراضاً واسعاً بسبب عدم تمثيلها للنقابات المختصة، ومحدودية اختصاصاتها.
ومن الإنصاف لرئيس الوزراء أن نقول إنه لم يكف في كل اتصال هاتفى يجرى بينه وبين جلال عارف، رئيس اللجنة الوطنية، رئيس المجلس الأعلى للصحافة، عن الإلحاح على سرعة الانتهاء من إعداد هذه التشريعات، ومن الإنصاف للجنة الوطنية أن نقول إن الحكومة أربكت نفسها وأربكت اللجنة، حين قررت إلغاء وزارة الإعلام، واقتنعت برأى بعض مستشاريها بأن البديل لها، القادر على لجم ما يوصف بأنه «الانفلات الإعلامى والصحفى»، هو الإسراع بإعداد قوانين لتشكيل واختصاصات المجالس والهيئات الثلاث التي أناط بها الدستور تنظيم وإدارة شؤون الصحافة والإعلام، من دون أن يتنبهوا إلى الفارق الكبير بين وزارة الإعلام، التي تمثل الحكومة، وهذه المجالس والهيئات التي يشدد الدستور على أنها مستقلة، والذى تصوغ مواده ذات الصلة ملامح نظام إعلامى جديد يحرر الصحافة والإعلام من كل هيمنة للسلطة التنفيذية، ومن دون أن تتنبه الحكومة نفسها إلى أن واحداً فقط منها، هو «الهيئة الوطنية للإعلام»- المنوط به إدارة الإعلام المرئى والمسموع المملوك للدولة- هو الذي ستنتقل إليه بعض اختصاصات وزارة الإعلام، بينما يختص الثانى وهو «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بتنظيم شؤون الصحافة الورقية والإلكترونية والإعلام المرئى والمسموع والرقمى سواء كان عاماً مملوكاً للدولة، أو كان خاصاً مملوكاً للأفراد والشركات المساهمة.. ويختص الثالث بتنظيم شؤون الصحف القومية المملوكة للدولة.
وكان من نتيجة هذا الإرباك أن توزع أعضاء اللجنة الوطنية، بين أربع لجان، قامت ثلاث منها بإعداد ثلاثة مشروعات بقوانين تختص بالمجالس الثلاثة، وقامت الرابعة بإعداد مشروع قانون بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، ولأن كلاً من اللجان الثلاث كانت تعمل بمعزل عن الأخرى، فضلاً عن أن عدداً من مواد الدستور المهمة والخاصة بحرية واستقلال الصحف ووسائل الإعلام لم تجد لها مكاناً في المشروعات التي قدمتها، فإنها لم تكد تنهى أعمالها في فبراير الماضى حتى نشأت الحاجة لتشكيل لجنة للصياغة، مكلفة بالتنسيق بين موادها، وإزالة التناقض فيما بينها، وإضافة ما لم تتضمنه من أحكام تطبق نصوص الدستور، وتبويبها، وتشكلت هذه اللجنة- التي كلف كاتب هذه السطور بأن يكون مقرراً لها- من مقررى اللجان الأربع «أمين شفيق وحسين عبدالرازق وحسن عماد مكاوى وعلى عبدالرحمن»، ومن أستاذ الإعلام محمود علم الدين واثنين من رجال القانون هما نور فرحات وعصام الإسلامبولى.
وخلال الأسابيع العشرة الماضية أنجزت لجنة الصياغة مهمتها وأعدت اقتراحين بمشروعى قانونين.
الأول: قانون موحد لتنظيم الصحافة والإعلام، يقع في حوالى 180 مادة، ويتضمن كل المواد التي تتعلق بحرية الصحافة والإعلام وحقوق وواجبات الصحفيين والإعلاميين وتأديبهم وضمانات التحقيق والمحاكمة في جرائم النشر، وتنظيم الإجراءات القانونية لإصدار الصحف الورقية والإلكترونية بالإخطار وإنشاء وسائل الإعلام المرئى والمسموع والرقمى بالترخيص وشروط تملك كل منها، وينظم قواعد الإدارة الذاتية للصحف القومية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة المملوكة للدولة، ويفرد باباً خاصاً يضم فصولاً لكل مجلس من المجالس والهيئات الثلاث التي سوف تتولى- بحكم الدستور- تنظيم وإدارة الصحافة والإعلام يحدد تشكيله واختصاصه وضمانات استقلاله وطريقة إدارته.
أما القانون الثانى فيختص بإلغاء كل العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر من قانون العقوبات وغيره من القوانين يستبدل بها الغرامة المالية.. ويقع في خمس مواد وهما مشروعان ينطلقان من قاعدة أساسية، هي أن هدف اللجنة الوطنية تأسيس نظام إعلامى مصرى جديد، يقوم على أوسع مساحة من الحرية وأقصى درجة من المسؤولية الوطنية والاجتماعية، ويضمن الاستقلال الكامل للصحف ووسائل الإعلام، بما في ذلك المملوك منها للدولة، ويحافظ على تقاليد المهنة وأدبياتها، ويلزم كل الذين يمارسونها بذلك.
ولم يبق أمام اللجنة الوطنية سوى أن تطرح هذين المشروعين على الهيئات التي تشكلت منها، ومن بينها نقابتا الصحفيين والإعلاميين، والمجلس الأعلى للصحافة، قبل أن تطرحها للحوار العام بين المشتغلين بالمهنة والمهتمين بحرية الصحافة والإعلام، ثم تقدمها إلى الحكومة.
ولو صح أن دولة رئيس الوزراء قد أنذر بأنه سوف يأخذ بمشروع اللجنة الاستشارية إذا لم تصله مشروعات اللجنة الوطنية خلال أسبوعين.. فهل يأذن لنا بأن نقرأ هذه المشروعات قبل أن يقرها.. وهل يتسع صدره لكى نسأله: أين اختفى مشروع قانون نقابة الإعلاميين الذي تسلمته حكومته منذ ما يقرب من ستة شهور، ثم وضع في الثلاجة.. مع أنه أحد القوانين الأساسية التي بدونها لا يمكن تنظيم المهنة.. ولا إقامة نظام إعلامى جديد؟