رد قلبى..

رولا خرسا الجمعة 15-05-2015 21:13

عشت طفولتى أشاهد فيلم «رد قلبى» وأتأثر، أتعاطف مع إنجى بنت الباشا التي أحبت على ابن الجناينى، وفى المشهد الشهير الذي يأتى ليأخذ بيتها وذهبها عشان مصر، كنت أتساءل كثيرا: لمَ لا يتركون لها شيئا؟ وكانت الإجابة دوما من محبى الرئيس عبدالناصر: لقد قال لها خذى احتياجاتك الشخصية.. ولم أفكر يوما كيف أن على يا ويكا ابن الجناينى أصبح ضابطا، السبب ببساطة أن الأرستقراطية المتعفنة الشريرة قد أخذت بيده وساعدته للوصول.

وعشت سنوات مقتنعة بأن الصالح العام يجب أن يغلب على الخاص، ولم أفكر أصلا كيف أن عبدالناصر ابن البوسطجى وهو أمر يشرفه ولا يعيبه كان ضابطا في الجيش مثل عبدالحكيم عامر ابن العمدة وصاحب الأطيان الزراعية الكثيرة، لم أفكر أن الأرستقراطية المصرية وقتها هي التي ساعدت أولاد الفقراء على التعليم بقيادة الوزير الوحيد المعوق في تاريخ مصر الدكتور طه حسين، الذي أصبح وزيرا للمعارف في عصر الملك فاروق وهو من فرض مجانية التعليم، وقال إن التعليم حق مثل الماء والهواء.. كنت أشاهد رد قلبى وأنسى أن أزمة مارس ٥٤ الخاصة بالديمقراطية هي التي أطاحت بالرئيس محمد نجيب وبعده انفصلت مصر عن السودان، وحددت إقامة الرجل جبريا في منزله وحرم من أهله حتى إنه قضى ما تبقى من حياته مع القطط وحيدا. لم أقل لنفسى يوما إن أيام الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان سيدنا عثمان بن عفان من أغنى أغنياء قريش ولم يفكر رسولنا الكريم يوما أن يأخذ ماله عنوة بل كان يحدد زكاة بيت المال ويترك كل واحد بماله يفعل به ما يشاء بعد أن يدفع ما عليه.. ومنذ أيام كتب الكاتب المستنير الرائع خالد منتصر مقالا غاية في الأهمية تذكرت بعد قراءتى له الدكتور نجيب محفوظ، وقال فيه إن كلية الطب لا تعيّن بين أساتذة قسم النساء والولادة مسيحيين، منذ أيام الدكتور نجيب محفوظ، وعندما سألت عن الأسباب قيل لى إن الحكاية بدأت بقرار من تلامذته لأنه كان متشددا بعدم تعيين مسيحى، ثم تحول الأمر إلى عرف.

وهى حكاية صادمة جداً طبعا. ولمن لا يعرف أقول إن الدكتور نجيب محفوظ الطبيب القبطى الذي عين في مستشفى قصر العينى عام 1904 كطبيب تخدير هو من قام بتدشين أول عيادة خارجية لأمراض النساء والولادة وإحدى الولادات المتعسرة التي قام بها كانت عام 1911 أسفرت عن ولادة طفل حمل نفس اسم الطبيب وهو أديبنا نجيب محفوظ، واسمه هذا اسم مركب سمى هكذا على اسم الطبيب. نجيب محفوظ الكاتب الشهير الذي حرم من بعثة عندما كان يعمل في وزارة المعارف لأن المسؤولين تخيلوا من اسمه أنه قبطى فقرر الاستقالة، وما حدث يصفه الكاتب الراحل لصديقى العزيز رؤوف رشدى بأنه يعتبره الدور الخير للشر لأن الشر الذي حدث وهو رفض إرساله في بعثة وهو شر دفعه للكتابة وهى خير. وما يطبق على المسيحيين من تمييز في كليات الطب تجده يطبق على النساء في وظائف عدة آخرها كان القضاء، حيث يسمح لها بالقضاء الإدارى ولا يسمح لها بالنيابة العامة، أي أن تعاملها يجب أن يقتصر على الموظفين لا على المواطنين غير الموظفين، وهذا يدخل ضمن ما يسمى التوازنات البغيضة، من أجل إرضاء طرف تقوم بالتمييز ضد طرف آخر. عندما يحاول مسؤولون إرضاء طرف ما أو فئة ما فيرتكبون إثما أكبر، تماماً مثلما حدث في حى عابدين عندما عرف أن هناك قهوة يجلس عليها مجموعة من المثقفين العلمانيين فانتشرت شائعة أن العلمانيين هم الملحدون، فأرسل مسؤول من يحطم كراسى القهوة ووقف مفتخرا أنه قد قضى على الكفرة الملحدين.

نحن شعب نعيش بازدواجية فظيعة، نتحدث عن المواطنة ولا نطبقها، وعن العدالة ولا ننفذها، وفى النهاية نقف أمام تصريحات المسؤولين وننتقدها.. لنعترف نحن شعب عنصرى يميز بين فئاته، ولكننا حملة شعارات.. انظر حولك واسأل نفسك كم مرة في يومك تمارس التمييز؟ سواء ضد صاحب ديانة أخرى، أو فكر آخر أو جنس آخر.. مع أن الله قد خلقنا جميعا سواسية كأسنان المشط.. هذه عدالة السماء التي لا يعرفها سكان الأرض. كم من أجيال عاشت في الوهم بسبب فيلم.. ترى لو تزوج على وإنجى كيف ستكون حياتهما؟

أترك لكم الإجابة.