يقول يورجن كلوب، المدير الفني لفريق بروسيا دورتموند، إنه لا يحب اللعب الهادئ والفني في كرة القدم، يريد من لاعبيه أن يصبحوا كالحيوانات في الملعب، يجرون في كل اتجاه حتى يحصلوا على الكرة، وبعد ذلك يجرون بكل قوة حتى يضعونها في الشباك.
إحصائيات مباراتي الذهاب والعودة تقول الكثير، أكثر 3 لاعبين جروا في كل مباراة هم: فيدال، ماركيزيو، بيرلو، بمتوسط 11 كم لكل منهم، ويضاف إليهم بول بوجبا، تندفع للهجوم وتعود ركضًا للدفاع بجنون حتى تحصل على الكرة، هذا هو السبب الأساسي في انتصار يوفنتوس وتأهله التاريخي لنهائي دوري أبطال أوروبا.
أما من ناحية حامل البطولة، فمن جديد.. الأخطاء المتراكمة منذ الصيف الماضي كانت لتقتلك آجلًا أو عاجلًا، وأسوأ ما في الأمر أن هذا القتل جعلك تخسر بطولتين في أسبوعٍ واحد، وتخرج من الموسم خالي الألقاب.
في تقديم المباراة، قلنا إنه «حين تقارب السفينة على الغرق.. من الحكمة البحث عن أول شَق دخلت منه المياه»، في إشارة لأن موسم تعاقدات ريـال مدريد السيئ، والاستغناء عن لاعبين مهمين، ونتيجة لذلك تم الاعتماد على 13 لاعبًا فقط طوال الموسم، دون أي ثقة في دكة البدلاء، كل تك الأخطاء المرتبطة بسياسة فلونتينو بيريز في إدارة النادي، وعدم قدرة كارلو أنشيلوتي على معارضته، جعلت كارثة الخروج دون بطولات وشيكة.
والآن، وقد غرقت السفينة فعلًا، فإن النادي بحاجة لتحديد أولوياته فعلًا، والتعامل بسياسة مختلفة عن الصرف على صفقات إعلامية ودعائية أكثر من كونها مفيدة للمدرب فعلًا، وإلا ستستمر النتائج السيئة، وسيعاني «مدريد» من جديد لنفس الأسباب.
الشوط الأول:
- بدأ ريـال مدريد اللقاء مندفعًا وراغبًا بالبحث عن هدف مبكر، قوته الهجومية كلها، ومفاجأة سعيدة بمستوى رائع ومثالي جدًا من كريم بنزيمة في عودته منذ شهر.
لم تكن هناك كرات خطيرة لأن يوفنتوس في المقابل فريق متماسك جدًا، اللعب بـ4-4-2- فلات وليس دياموند كما أشار البعض- جعله يملك خطين دفاعيين في حالة فقدان الكرة، أما في حالة امتلاكها فإن القدرة البدنية المذهلة لثلاثة من رباعي وسط اليوفي (فيدال، ماركيزيو، بوجبا) تجعلهم يتقدمون بسرعة شديدة ليهاجم الفريق بـ5، ويضع «مدريد» في موقف حرج، قبل العودة بنفس السرعة عند قطع الكرة.
وسط اليوفنتوس كان كل شيء، واحد من أفضل خطوط الوسط في العالم، يلعب كل أفراده بكل طاقتهم البدنية والفنية، حتى بيرلو العجوز الذي جرى 10 كيلومترات في مباراة الذهاب ومباراة العودة، وحتى «بوجبا» العائد من الإصابة ولم يصل لقمة مستواه، وله لقطات تصرف فيها بشكل خاطئ.. ولكنه أعطى المباراة كل ما هو مطلوب بدنيًا، «حيوانات» وسط تجري في كل مكان كما يحب «كلوب».
هذا الشكل جعل «مدريد» لا يخلق أي خطورة حقيقية في أول ثلث ساعة، إما تصويبات بعيدة، أو كرة بمهارة فردية لكريم بنزيمة أرسلها خارج المرمى.
- نقطة التحول الأولى في المباراة كانت ضربة الجزاء التي حصل عليها جيمس رودريجز- أفضل لاعب في ريـال مدريد سواء في لقاء الذهاب أو العودة- «كيليني» كاد أن يقتل فريقه تمامًا، ويبعثر كل أوراقه بضربة جزاء غير مبررة بالمرة، قام بها باندفاعٍ لا يليق بمدافع يلعب في الدور قبل النهائي للأبطال.
- الهدف غير شكل المباراة تمامًا، هنا يوفنتوس صار مطالبًا بـ(الفعل) وليس (رد الفعل)، تباعدت خطوط الفريق، وسط الملعب تحرك للأمام بتلقائية بحثًا عن هدف، فصار خط الدفاع- البطىء جدًا- في مواجهات مكشوفة مع ثلاثة بسرعة وقوة «بيل»، «رونالدو»، والمتألق في هذا الشوط «بنزيمة»، فتسيد ريـال مدريد اللقاء في نصف ساعة استثنائية كان يمكن أن تنتهي بعدة أهداف، لولا جانلويجي بوفون، وبات التأهل قريبًا لحامل اللقب.
الشوط الثاني:
- أعتقد أن جانبا أساسيا من قيمة ماسيميليانو أليجري، هذا الموسم على الأقل، هو في قدرته على إعداد اللاعبين نفسيًا للمواقف المختلفة. الاهتزاز الذي ظهر عليه يوفنتوس في آخر نصف ساعة من الشوط الأول تغير تمامًا في الشوط الثاني، وتعليمات أو محاضرة «أليجري» بين الشوطين لابد وأنها السبب في ذلك.
دخل يوفنتوس الشوط وهو خارج البطولة، ولكنه أهدأ، ليس مندفعًا كما هو الحال في الشوط الأول، أكثر إدراكًا لحقيقة أن هدفا واحدا كفيل بتأهله، وبالتالي فالأولوية هو عدم تلقيه هدفا ثانيا.
عاد تقارب الخطوط، وتنظيم الوسط، مع محاولة استغلال سرعة تيفيز وموراتا وفيدال في خطف هدف، أو الكرات الثابتة.
- على الناحية الأخرى، فإن (الأخطاء المتراكمة تقتل) فعلًا، ما حدث في تلك المباراة هو نفس ما حدث في مباراة الكلاسيكو، أو مباراة الذهاب، أو عدد من أهم لقاءات ريـال هذا الموسم، أن ينهي الفريق كل مخزونه البدني في الشوط الأول، ثم يدخل الشوط الثاني أقل كثيرًا بدنيًا وفنيًا.
«كروس» و«إيسكو» وحتى «رونالدو»، عوضًا عن «بنزيمة» العائد من الإصابة، كلهم انتهوا بدنيًا بعد 10 دقائق من هذا الشوط.
- تسجيل يوفنتوس لهدف من خطأ فادح لسيرجيو راموس، الذي غطى التسلل، كان كارثة بالنسبة لوضع الفريق بدنيًا، والأهم لأنه أعاد بطل إيطاليا من جديد لخانة (رد الفعل) وبصورة أكبر حتى من بداية المباراة، لكون المسافة إلى برلين صارت نصف ساعة فقط.
- مع التأخر في النتيجة، وانتهاء المخزون البدني، لم يستطع «أنشيلوتي» أن يقوم إلا بتغيير واحد فقط في اللقاء، رغم أن أشباح «إيسكو» و«كروس» هم من أكملوه، والسبب في ذلك- مرة أخرى في تكرار ممل- أن موسم التعاقدات والثبات على التشكيل لم يمنحاك دكة بدلاء لبقية الموسم، وبالتالي ففي أهم نصف ساعة لموسمك لم تستطع أن تقوم إلا بتبديل واحد.
على الناحية الأخرى، أبقى «أليجري» على تشكيلته ثابتة حتى آخر ربع ساعة، كان يعلم أن نصف ملعبه هو زاد الفريق، ومع تألقه الملحوظ فإن خط دفاعه لن يواجه كرات خطيرة، قبل أن يقرر تغيير الطريقة لـ3-5-2 في الدقيقة 79 لزيادة اللاعبين في منطقة الجزاء، نظرًا لاعتماد مدريد على الكرات العرضية.
- فشل هذا الموسم هو إنذار عالي الصوت لبيريز ومن بعده أنشيلوتي، سياسة تعاقدات مختلفة في الصيف هي ما يحتاجه الفريق فعلًا.
أما يوفنتوس فيستحق اللعب في النهائي بالنظر إلى كفاحه في مباراتي الذهاب والعودة ضد واحد من أغنى وأقوى فرق أوروبا، يستحق لمسيرة الـ9 سنوات المذهلة من 2006 حتى الآن، ويستحق من أجل جيانلويجي بوفون وأندريا بيرلو.