استقال وزير العدل السابق المستشار «محفوظ صابر» أو أُقيل، بعد أن أوجعنا وصدمنا بحقيقتنا المؤسفة، حين قال: (إن مهنة القاضى ينبغى ألا يصل إليها ابن عامل النظافة ولابد أن يكون من (وسط مناسب) حتى لا يصاب بـ(اكتئاب نفسى)».. لنكتشف أن بداخل كل مواطن منا «محفوظ عنصرى»، لا يعترف بالدستور ولا المساواة وتكافؤ الفرص إذا كان الأمر يتعلق به أو بزواج ابنه أو ابنته!
نحن نعانى «ازدواجية» جعلتنا نضع أصحاب الثروات المشبوهة فى خانة «كريمة المجتمع»، لأنهم يملكون اليخوت والطائرات الخاصة.. وندوس بوحشية على «عامل النظافة» لأنه «مش من مستوانا»، ونمن عليه بألا نناديه بكلمة «زبال» التى تلحق به الاحتقار.
لقد قمنا بثورة 25 يناير ضد توريث الحكم، بينما يسعى معظمنا لتوريث أولاده نفس المهنة، فالمادة التاسعة من الدستور المصرى والتى تنص على أن (الدولة تلتزم بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز).. مجرد «وردة فى عروة الجاكيت».. تجملنا وتخفى أننا شعب عنصرى وطائفى يتخذ «العمال والفلاحين» شعارا تتكسب به بعض المنظمات الحقوقية أو يحصد آخرون منه أصوات الانتخابات النيابية!
أثناء عهد «مبارك» كتبت، فى ديسمبر عام 2007، عن «عبدالحميد شتا» الشاب الفقير الذى قادته أحلامه إلى وزارة الاقتصاد، حاملا رسالة ماجسيتر من كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية»، ليزاحم «أولاد الأكابر» على موقع فى «التمثيل التجارى»، متوهما أن الفقر ليس عارا، وأن العلم سبيله لارتقاء السلم الاجتماعى.. فكانت نتيجة الاختبارات طلقة غادرة أسقطت عنه حقوق المواطنة... حين كتبوها ببساطة: «غير لائق اجتماعيا»!!.
انتحر «شتا»، ربما لأن القبر أرحم من الفقر.. فهناك لا توجد فوارق طبقية.. ولم يُحاسب أحد على تلك الجريمة فى «أبعدية رجال مبارك».. فقد كان مطلوبا ألا يتجاوز الفلاح سياج الفقر.. ليظل التوريث سيد الموقف: السفراء ينجبون سفراء، والقضاة يسلمون المنصة لأبنائهم، والجامعات من نسل رجال فوق مرتبة البشر.. إلخ تلك المناصب الرفيعة.
أليس غريبا أننا ننادى ضابط الشرطة بلقب «الباشا» بعد ثورتين؟!.
أليس مفزعا أن غالبية الشعب يبحثون عن واسطة لإلحاق الأبناء بكلية الشرطة، والتى كان لها تسعيرة بلغت فى سوق الرشوة 50 ألف جنيه فى عهد «مبارك»؟!. مثلما كان لكل وظيفة فى «وزارة سيادية» تسعيرة للتعيين بها!.
ماذا تنتظرون من طالب يدخل كليه الشرطة برشوة أو واسطة.. أو شخص يعين فى السلك القضائى أو الدبلوماسى، أو بالصحافة والإعلام لأنه ابن أبيه؟!.
هل تتوقعون أن يكون نزيها شفافا، أم يطبق القاعدة التى جاءت به إلى منصبه على الجميع؟!
عندما تستمعون إلى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» وهو يقول إن القضاء على الفساد، فى توزيع أنابيب البوتاجاز مثلا، سيكون بتقليل «العامل البشرى».. تدركون أن المشكلة فينا.
نحن شعب يحترف دفع الرشوة أو أخذها «باعتبارها إكرامية»، نحن من استبدلنا بـ«أولاد الأصول» «أصحاب النقود والنفوذ».. فاختلت قيم المجتمع الذى لا يحترم العلم والعلماء وينحنى لتجار الأراضى والمخدرات والسلاح لأنهم يملكون «سطوة المال».
نحن بحاجة إلى ثورة على أنفسنا لتغيير ثقافة مجتمع يقصى المرأة من مراكز صنع القرار ويكرمها كأم مثالية «إن كانت راقصة».. مجتمع يحارب الإرهاب بينما يستبعد الأقباط من المناصب القيادية ويركع للفكر السلفى.
نحتاج لثورة على إعلام تكريس الخرافة «وخمسة مواااه».
المشكلة ليست فى النظام أو الحكومة بقدر ما هى فى مواطن فُطر على العنصرية والفساد حتى أصبحت من مكونات شخصيته.. فانظر فى المرآة.. واجه نفسك.. ربما يحتاج البعض منا إلى «إعادة تربية»!!.