د. مدحت مريد يكتب: هل للأخلاق جذور بيولوجية؟

اخبار الخميس 14-05-2015 11:57

فى مصنع للكيماويات كان أحد العمال يعد الشاى لمديره الذى لا يحبه، فقرر الانتقام منه. بحث العامل بين الكيماويات حتى عثر على زجاجة مكتوب عليها «مادة سامة»، واغترف منها ملعقتين وأذابهما فى كوب الشاى، وقدمه إلى المدير. شرب المدير الشاى، لكن شيئاً لم يحدث له، فالكلمات التى قرأها العامل على الزجاجة كانت مكتوبة على سبيل الدعابة، وكانت الزجاجة تحتوى فى الحقيقة على سكر مطحون.

استيقظ ضمير العامل بفضل العناية الإلهية التى أنقذت مديره، وعندما كلف بإعداد الشاى للمدير مرة أخرى حرص على قراءة ما كان مدوناً على وعاء السكر، ولم يستخدمه فى تحلية الشاى إلا بعد أن تأكد أن الوعاء مكتوب عليه بوضوح: «سكر». لكن المفاجأة أن المدير سقط ميتاً فور انتهائه من شرب الشاى، وتبين أن الكلمات المكتوبة على الوعاء كانت خاطئة، وأن الوعاء لم يكن به سكر، بل سم قاتل.

الآن، ما رأيك فى تصرف العامل فى الحالتين؟ ستقول طبعاً إن العبرة بالنوايا، وبالتالى فإن العامل مذنب فى المرة الأولى، رغم أن المدير لم يُصَبْ بسوء، وأما فى المرة الثانية فالعامل يعتبر بريئاً، رغم أن المدير مات بالفعل. إن المسؤول الرئيسى فى أمخاخنا عن تقييم نوايا الآخرين هو جزء يقع فى الجانب الأيمن الخلفى من المخ (أعلى وراء الأذن اليمنى)، ويسمى «الوصلة الصدغية الجدارية اليمنى».

وقد عرف العلماء مع بداية هذا القرن تقريباً أن هذه المنطقة من أدمغتنا تنشط كلما حاولنا تكوين تصور عما يدور فى أذهان الغير، ووجدوا أن سلامة أحكامنا الأخلاقية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة هذه المنطقة من الدماغ.

ولكن هل يمكن التأثير فى هذا الجزء من المخ لجعلنا نتبنى أحكاماً غير منطقية؟ كان هذا موضوع بحث مطول أجرته العالمة الأمريكية ريبيكا ساكسى مع زملاء لها فى ولاية ماساتشوستس، واكتشفوا أن مجالاً مغناطيسياً يوضع فوق الجمجمة، بحيث يولّد تياراً كهربائياً خفيفاً فى خلايا «الوصلة الصدغية الجدارية اليمنى»، يؤدى إلى جعل الشخص أكثر ميلاً إلى تبرئة المذنب وإدانة البرىء عندما يُطلَب رأيه فى المواقف المشابهة لما ذكرناه بمثال العامل والمدير.

لا تقتصر أهمية هذا الاكتشاف على أنه يلقى الضوء على كيفية عمل المخ فى مسألة معنوية، كتحليل نوايا الآخرين ومواقفهم المضمرة، ولكنه يلفت النظر إلى ما يعتقده كثير من العلماء، ويعكفون على دراسته، من أن التعليم المشوه، وتقديم المغالطات على أنها حقائق، يمكن أن يؤثِّرا سلباً على تطور تلك الوصلة الدماغية أثناء النمو، فتفتقد القدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية السوية. والأخطر من ذلك أن تأثير المجال المغناطيسى يزول بزواله، لكن تأثير التلقين يصعب محوه أو تعديله. لكأن العلم يقول لك إنك إذا قابلت شخصاً يرى المذنب بريئاً والبرىء مذنباً، ويستند فى رؤيته تلك إلى قناعة راسخة، فاعلم أنه يعانى من خلل دماغى، وأن هذا الخلل قد يكون سببه تعرض الشخص إلى مؤثرات فيزيائية ضارة، أو خضوعه لجلسات مطولة من التعليم الفاسد.

أجهزة الرنين المغناطيسي ونظائرها تأثيرها عابر وتتعافى منه خلايا المخ بسرعة

أجهزة كشف الكذب غير الموثوقة يزيد تضليلها تأثير المجالات المغناطيسية