تُعد رحلات الفضاء السحيق المأهولة أمنية تتصدر أمنيات الوكالات الفضائية حول العالم، الآن؛ أصبحت الأمانى في طريق التحقق، فبفضل التقنيات المتطورة الخاصة بوسائل دفع وإمداد المركبات الفضائية بالسرعة المطلوبة للسفر إلى أعماق الكون، أصبح حُلم وصول الإنسان للمريخ قيد التحقق، لكن؛ ثمة العديد من الأبحاث تشير إلى خطورة الرحلة على دماغ الإنسان.
فقد لوحظ حديثًا أن التعرض للأشعاع الموسع سيسبب ضررًا دائمًا وكبيرًا في الدماغ، فأثناء تنفيذ تجربة على فئران التجارب المعملية، أثبت العلماء حدوث تغيرات خطيرة في النظام العصبي المركزى لديها عند تعرضها لمستويات مرتفعة من الجسميات المشحونة، على غرار الأشعة الكونية التي ستواجه رواد الفضاء خلال الرحلات الفضائية الطويلة.
وقال باحثون من جامعة «كاليفورنيا» الأمريكية إن النتائج التي توصلت لها الدراسة «لست إيجابية بالنسبة لوراد الفضاء الذين يعتزمون الذهاب إلى المريخ والعودة منه في الرحلة التي ستستغرق 3 سنوات».
«عجز الذاكرة، فقدان الوعى، التناقص في الأداء والتركيز والمشاكل المعرفية» مشاكل سيختبرها رواد الفضاء في الرحلات الطويلة نتيجة التعرض للجسميات الكونية على مدار الرحلة، وهى أمور من شأنها التأثير على الأنشطة المُتعلقة بأداء المهام الحرجة.
وبحسب البحث المنشور في مجلة «ساينس» العلمية، فإن العلماء داخل مختبر بروكهافن الوطني عرضوا مجموعة القوارض لأشعة مكونة من جسيمات مشحونة لمدة ستة أسابيع، الأمر الذي رفع من مستويات الأكسجين المتأين والتيتانيوم داخل الدماغ، مما أدي إلى التهابها وتعطل نقل الإشارات بين الخلايا العصبية.
ووصفت الدراسة تلك الجسيمات بكونها «مثل الرصاص» القادر على اختراق الدماغ وعمل تحولات في المسارات العصبية وقطع في فروع الوصلات الشجيرية، وهي إحدى أجزاء الدماغ التي يرتبط فقدانها بالتدهول المعرفي ومرض الزهايمر ومجموعة أخرى من الأمراض.
وأظهرت الاختبارات التي تمت على الفئران التي تعرضت للإشعاع تدهور ذاكرتها وقدرتها على التعلم وارتباكها في أتخاذ القرارات، علاوة على أنها أصبحت أقل نشاطًا وحبًا للأستطلاع، مُقارنة بالفئران العادية.
لماذا لا تؤثر الاشعاعات الكونية على رواد الفضاء الذين يقضون شهور طويلة في المحطة الفضائية الدولية؟ سؤال لم تهمله الدراسة، فرغم وجود بعض الرواد لفترة استمرت لنحو ستة أشهر على متن المحطة، ووجود رائدين «سكوت كيلي الأمريكي وميخائيل كورنيكو الروسي» في المحطة في مهمة لمدة عام –بدأت مارس الماضي- بغرض اختبار مدى تأثير الرحلات الفضائية على الجسم والعقل، إلا أن تأثير الأشعة الكونية عليهم لن يكون ملموسًا.
فمحطة الفضاء الدولية تدور حول الأرض على ارتفاع 390 كيلومتر، وهو ما يجعلها ضمن نطاق الغلاف الجوي الأرضي، الذي يحمي الكوكب الأزرق من وابل الأشعة الكونية الضارة، الموجودة في الفضاء الخارجي، والناتجة عن انفجارات المجرات في الماضي السحيق.
تهدف الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء «ناسا» إلى ارسال البشر إلى المريخ بحلول عام 2030، إلا أن المشككون يؤكدون أن التكنولوجيات الفضائية بعيدة كل البعد عن ذلك الهدف، فليس واضحًا بعد إذا ما كانت تلك الرحلة آمنة أم لا.
يُعد برنامج «لامولي» أحد برامج «ناسا» الهادفة إلى التحقق من تأثير الاشعاعات الكونية على البشر، وقد أشارت نتائج دراساته إلى حقيقة لا مفر منها، مفاداها أن الرحلات الفضائية الطويلة ستضر، وبشدة، أدمغة الرواد وتجعلهم غير قادرون على أداء مهامهم.