ويبقى السؤال: من أين نبدأ؟.. وهمسة فى أذن د.غُنيم

طارق الغزالي حرب الأحد 10-05-2015 21:35

منذ عدة أيام تحدث السيد أحمد موسى الذى لا أعرف بالضبط ما هى مهنته على وجه الدقة، ولكنه يظهر يومياً على قناة يملكها أحد رجال أعمال عصر مبارك، فقال «هو الشعب عايز إيه من عبدالفتاح السيسى غير إنه يوكله ويشربه.. ولا بيفكر فى أى حاجة تانية»! لست أدرى ما إذا كان الرجل يعى ما يقول فعلا ويشعر بأنه يعيش فى مزرعة للحيوانات أم أنه قد خانه التعبير، وإن كنت أرجح الاحتمال الأول. فى نفس التوقيت تقريباً قرأت حواراً مع رجل من أعلام مصر ورموزها الوطنية د.جلال أمين، عبر فيه عن معنى قريب ولكن بطريقة علمية راقية بعيدة كل البعد عن غوغائية التعبير الفج للسيد موسى، فقال «أنا أرى أنه قبل إشغال الرأى العام بقضايا مثل تجديد الخطاب الدينى وغيرها فإن علينا أن نغير حالة الغضب والحقد وفقدان الأمل التى لديهم بتحسين أوضاعهم الاقتصادية، ووقتها أى حديث عن الفكر سيكون مقبولاً».. بمعنى آخر يريد المفكر الكبير أن يقول إن تغير عقول الناس واستعدادهم للتفاعل مع الأفكار الجديدة والمبادئ الإنسانية السامية سواء فى مجال الدين أو السياسة لا يمكن أن يحدث فى بلد جائع يعانى الغالبية العظمى من أبنائه شظف العيش ولا يحصلون على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية..

فتحسين أوضاع الناس الاقتصادية والإقلال من الشعور بحالة العوز والفقر مُتطلب أساسى لكى يمكن أن يحدث تغيير حقيقى وملموس فى الأفكار البالية والمغلوطة السائدة منذ عقود مضت، انتشرت وترعرعت بدوافع الشعور بالظلم وانعدام العدالة واليأس من الحياة.. ففى تربة الفقر والقهر تنمو وتتكاثر الأمية ويسود الجهل، ومن ثم تصبح الثقافة العامة فى مختلف المجالات والحديث عن مراجعة الأفكار الموروثة وحقوق الإنسان وكرامته ومشاركته فى الحياة السياسيه نوعاً من الترف وربما ضرباً من الخيال. من هنا نفهم حرص الأنظمة السياسية الاستبدادية المتتالية لعقود طويلة، سواء كان استبداداً باسم الوطن أو الدين، أن يظل الناس دائماً واقعين تحت ضغوط العوز والفقر، وأن يرفلوا فى ثياب الأمية والجهل، وبالتالى يحكمون شعباً يكره التفكير فى الأفكار الجديدة أو فى المشاركة السياسية ومساءلة أصحاب السلطة والسلطان فيسهل قيادته واستغلاله. ينسى هؤلاء الذين يتبنون هذه الطريقة الغبية فى التفكير أن الأمور يمكن أن تنقلب عليهم سواء بتبنى الملايين من البؤساء الأفكار المتطرفة ومحاربة المجتمع والناس، أو بجعل الفساد والفوضى والإهمال منهاج حياة كما هو حادث هذه الأيام على أرض مصر. إذن نقطة البدء هى الإصلاح الاقتصادى المبنى على أسس علمية ووطنية ويستهدف بالأساس تحسين الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من طبقات الشعب المختلفة، مع مواجهة الأمية والتعليم المتدنى مواجهة حاسمة.

همسة فى أذن د.غُنيم: قرأت فى «المصرى اليوم» الأسبوع الماضى حواراً مع الأستاذ الكبير د.محمد غُنيم أحد أعضاء المجلس العلمى الاستشارى لرئيس الجمهورية، رد فيه على سؤال عن المقترحات التى تدرسها لجنة الصحة التابعة للمجلس لتطوير المنظومة الصحية فى مصر، فقال إن اللجنة قد رصدت مشكلات كبيرة فى مجال الصحة، وإن الفكرة المُقدمة من اللجنة والتى سيناقشها المجلس العلمى بكامل أعضائه تتضمن تحديد دور وزارة الصحة ليكون قاصراً على خدمات معينة ويُنزع منها قضية الطب العلاجى، وأن تؤسس هيئة للطب العلاجى لها ثلاثة مكونات هى الطب العلاجى نفسها تتولى منظومة العلاج فى مستشفيات الصحة والتأمين الصحى والجامعات، وأيضاً هيئة للتأمين الصحى وهيئة ثالثة تتولى منح درجات التعليم وشهادات التخصص وشؤون التدريب للأطباء.. أقول لأستاذنا الفاضل لا تضيعوا وقتكم ولا وقت المجلس فى مناقشة هذه الأمور، فكل ما اقترحتموه هو بالضبط ما فعلته «لجنة إعداد قانون التأمين الصحى الجديد» وأنا عضو فيها منذ تشكيلها من أربع سنوات مضت، وكل ما طرحتموه من أفكار قتلها بحثاً مجموعة من العقول المصرية المتميزة الخبيرة بأوضاع الصحة بمصر من العمل على أرض الواقع، فضلاً عن الخبرات السياسية من أحزاب مختلفة، وقد تم وضع ذلك كله فى صورة قوانين تمّ حولها حوار مجتمعى واسع على مدى السنوات الأربع الماضية وهى جاهزه للتوقيع والتطبيق، بل أزيدك من المعلومات (أو بالأحرى المآسى) جانبا، فإن الهيئة التى تقترحونها وتنوون مناقشتها فى المجلس العلمى لتولى مسؤولية منح درجات التخصص والإشراف على التدريب قد صدر بها قرار جمهورى نُشر بالجريدة الرسمية منذ حوالى عامين، ولكن لم يحدث شىء حتى الآن على أرض الواقع البائس! تدرى لماذا يا دكتورنا العزيز؟ لأنه ينقص شىء واحد اسمه «الإرادة السياسية» والنية الحقيقية (وليست الإعلامية والدعائية) للاهتمام بصحة مواطنى هذا الشعب، بإحداث تغيير جذرى فى المنظومة الصحية والاستعداد لدفع تكاليفها كجزء من تحسين أحواله المعيشيه.