المايسترو صالح سليم

فاطمة ناعوت الأحد 10-05-2015 21:34

قبل ثلاثة عشر عامًا، احتشد مئاتُ الآلاف لتشييع جناز رجل استثنائى، لم يشأ حظّى أن ألتقيه، إنما التقيتُ قطعًا أثيرة من نفسه؛ زوجته الجميلة، فكان كأننى التقيتُه.

مرّت ذكراه، ٦ مايو، مرورًا عابرًا، كأنما لم يترك بصماتِه قويًة فى تاريخ مصر الرياضيّ والفنيّ والاجتماعيّ! تذكّره محبوه، واندهشوا لصمت الدولة، وإعلامها عن تذكّر رجل منح عمرَه وفكرَه لوطنه وناديه، الأهلى، فجعله دُرّةَ عقد نوادى كرة القدم العربية والأفريقية. وكونى لا أفهم فى هذه الرياضة، فإن ما يعنينى هو الشقّ الثقافى والإنسانى فى هذا الرجل، الذى صنع أدبياتٍ وأخلاقياتٍ للاعب والإدارى، توارثه بعضُ مَن تلوه، وساروا على دربه الرفيع، ليصبحوا بدورهم علاماتٍ مشرقةً فى تاريخ مصر، مثل الفارس محمود الخطيب.

عرفَه، مَن لا يفهمون كرة القدم مثلى، من الدراما السينمائية القليلة، والمحترمة، التى كان بطلَها الوسيمَ الذى خطف قلوبَ الصبايا ومثّل فارس أحلامهن ونموذج الرجل فى أدبياتهن. وعرفتُه أنا عبر ما قرأته من تاريخه النيّر، ثم عرفته شخصيًّا من خلال زوجته، صديقتى الجميلة، زينب عمر لطفى، التى أزورُها فى بيتهما بالزمالك، فأرى أثرَه فى كل ركن، وأتأمل وسامتَه فى ألبومات الصور وفى عينى زوجته التى لم تنسه أبدًا، رغم السنوات، وتذوّقتُ صَنعة يديه من صحن مُقبّلات شهيّ ابتكره المايسترو مكوّن من الزيتون والجزر والكرافس وزيت الزيتون، تُحرّص زوجتُه الآن على تقديمه لضيوفها مع كل الوجبات الشهية التى يتقنها الشابُّ الطيب «أيمن حبشي» الذى يعاون السيدة الجميلة على الحياة. وأدينُ بلقب «المايسترو» إلى أحد عشّاقه، الشابّ الجميل «فادى عزمي»، الذى تذكره على صفحته، ونبّه الناسَ لموعد ذكراه.

«زوزّا» هى الفاتنة التى حملت اسم المايسترو صالح سليم. رفيقة دربه وحاضنة أفراحه وأحزانه، وأمُّ طفليه، خالد وهشام، اللذين صارا شابين يحملان ملامحه ووسامته وأخلاقه، مثلما يحملان عِبئًا ثقيلاً يخافان عليه كما يخافُ المرءُ على كنز تنوء بحمله خزائن الوجود: تاريخه المشرّف الخالد.

كتبتُ فيها قصيدة: «عروس النيل»، سجلتُ فيها لحظة لقائهما الأول وكيف اختارها دون فاتنات الصبايا بعدما سرقتْ قلبه.

الجميلاتُ/ يقفنَ على أطرافِ أصابعِهنّ/ من وراء سورِ الحديقةِ/ كى يختلسنَ النظرَ إلى الوسيمْ/ الذى يُذيبُ قلوبَ البناتِ/ فيما يدخّنُ الغليونْ./ تخطو بنتٌ/ نحيلةٌ/ تتعثّر/ فى خَفَرِها/ وجدائلِها الطويلة/ وفستانِها القصير/ تخطفُ قلبَه/ فيلكزُها،/ ترمقُه بنظرةٍ غضوبٍ/ وتمضي/ بعدما تدسُّ قلبَه العَصِيَّ/ فى خِبائِها./ سيطيرُ الفتى إلى السماءْ/ بعدما يتركُ فى شُرفتِها عصفورين/ يتعلّمان الشدوَ/ فتقفُ على ضفّة النهرِ تناديه/ كما نادتْ إيزيسُ أوزوريسَ/ وقبلما تسمع وجيبَه/ آتيًا من عمقِ الماءْ/ تُلقى على صفحةِ «حابي»/ زهرةً حمراءَ/ وتهمسُ: لا تخفنَ يا بناتِ مصرَ/ أنا آخرُ عروسِ نيلٍ/ وهذى وردتي

قربانًا أقدِّمُها/ للنحيل الآسِرِ/ ذى الأنفِ القيصريّ/ الذى أشعل الشموعَ السوداءَ/ لكى ينيرَ/ قلبَ الفتاةِ الخائفْ.

Twitter: @FatimaNaoot