إحساس بدوار عميق..!!

يحيى الجمل الأحد 10-05-2015 21:39

أينما وجهت نظرى إلى أى بقعة من بقاع الأقطار العربية فى منطقة الشرق الأوسط أحسست بدوار عميق.

وإذا بدأنا بدمشق – وكنا نقول فى الماضى وعز الشرق أوله دمشق – ملكتنا الحسرة من كل جانب ووصل الدوار إلى أقصى ما يتحمله إنسان وقلنا «ودمع لا يكفكف يا دمشق» بمعنى أن الحزن والدموع لا تنقطع عما جرى وما يجرى فى دمشق وما حول دمشق وجنوب دمشق.

وإذا اتجهنا صوب الجنوب قليلاً وجدنا لبنان الذى كان فى وقت من الأوقات جنة وارفة الظلال- وجدناه هو أيضاً يعيش مأساة لا تنقطع وتمضى شهور وشهور ولا يستطيع أن يختار رئيسا له ولا يستكمل مؤسسات الدولة الأساسية وإن كان الناس هناك على المستوى الفردى يدبرون أمور حياتهم لأنهم يحبون الحياة.

وإذا تركنا دمشق وبيروت واتجهنا نحو الشرق فإنه لابد أن تتملكنا حسرة عميقة على ما جرى لبغداد. العراق العظيم بلد الرافدين والتاريخ الضارب فى القدم والحضارة التى لا تدانيها إلا الحضارة المصرية بكل تنويعاتها وتكويناتها.

هذا العراق– واأسفاه– دمره الضلال والتخلف من ناحية ودمرته بإصرار أكثر أطماع الإمبراطورية الفارسية التى تحلم باستعادة المجد القديم والأيام، التى كانت تحتقر فيها أمة العرب ولا ترى فيها إلا التخلف والخرافات والصحراء الجرداء.

وحتى المملكة العربية السعودية التى كانت تمثل هى ومصر قلعتين صامدتين بدأت أيدى العابثين بتحريض من إيران تنفخ النار فى اليمن وتحيل اليمن الذى كان سعيداً تحيله أتعس بلاد الأرض وتمتد يدا الحوثيين إلى نجران فى المملكة العربية السعودية.

هكذا إلى أى جهة اتجه بصرك فإنه سيرتد إليك خاسئاً وهو حسير لهول ما يراه من هوان وخراب وتخلف.

وإذا فرغت من مشرق الوطن العربى وجئت إلى مصر واتجه بصرك إلى غرب مصر فسنجد حطاماً كان دولة وستجد به أشباحاً يصارع بعضها بعضاً وستجد مجلساً نيابياً – هكذا يقال – يقع فى بقعة متطرفة فى أقصى مشرق البلد الذى كان يعرف باسم ليبيا فى الماضى القريب.

وإذا عدنا من ليبيا إلى المشرق قليلاً نجد مصر المحروسة فإننا سنتفاجأ بأمرين متناقضين فى مصر المحروسة.

سنجد سياسة خارجية رائعة ومتحركة وتكتسب كل يوم موقعاً فى العالم على اتساع هذا العالم. سنجد سياسة خارجية استطاعت أن تربط أسباب مصر بأسباب أمتها العربية وأيضاً بأسباب قارتها الأفريقية بل نوشك أن نتكلم عن الدوائر الثلاث، العربية والأفريقية والإسلامية. التى تكلم عنها جمال عبدالناصر فى أعقاب ثورة 1952 واسترداد مصر لكى تعود للمصريين كل المصريين.

ومع هذه السياسة الخارجية النشطة إلى أبعد الحدود الممتدة من أقصى الصين فى المشرق إلى أقصى الغرب فى أوروبا من ألمانيا وفرنسا إلى إسبانيا فإننا سنجد الإنسان البسيط فى الداخل الذى لا تعنيه كثيراً المكاسب الخارجية يكتوى بنار الغلاء وببلاء الجهاز الإدارى وعدم رغبته حتى فى أبسط التحركات. وذلك إلى جوار أن أهل الضلال والخراب لا يتركون أى فرصة إلا استغلوها من أجل أن يلحقوا الآلام والأضرار بالوطن المصرى فى القرية والمدينة وفى الكنيسة وفى المسجد وفى المدرسة والجامعة وفى كل مكان.

ليس هذا فحسب بل إن هناك مشهداً مخيفاً يخيم على مصر العربية ويكاد يعيدها لا قدر الله، إلى ما قبل ثورتى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو اللتين أطاحتا بطغيانين وحررت المواطن المصرى البسيط من مشاعر الخوف – هذا المشهد المخيف هو ما تعلق بالقوى السياسية أو ما يقال له الأحزاب السياسية فى هذا البلد – حيث الأحزاب التى لم تعد تفكر فى المصلحة العامة ولم تعد تفكر إلا فى مصالح شخصية ضيقة لا تسمن ولا تغنى من جوع، حتى لتوشك المحروسة أن تعيش من جديد فى ظل نظام مبارك ونظام الإخوان والعياذ بالله.

أليست هذه هى الصورة القاسية التى تصيب الإنسان بالدوار والغثيان والحزن والألم.

هل انتهى الأمر بالمحروسة إلى هذا المصير.

ولعلنا نتساءل بعد ذلك كله وقبل ذلك كله: ما الذى أدى بالأمور إلى هذا المصير البائس؟.

يقينا هناك أسباب خارجية وهناك أيضا أسباب داخلية.

وفى تعداد الأسباب الخارجية تأتى الولايات المتحدة الأمريكية ورغبتها التى لا تتغير فى أن تبقى إسرائيل هى القوة الوحيدة النووية بل القوة الوحيدة ذات الهيمنة فى هذه المنطقة من العالم ولا تريد حل الدولتين ولا تريد إلا الهوان للعرب كل العرب.

والإمبراطورية الفارسية أشرنا إليها من قبل والإمبراطورية العثمانية فى الشمال تخلت عن كل التفكير العلمانى والعلمى وعادت إلى أحلام خائبة وتركت– للأسف- مصالح اقتصادية وعلاقات كان يمكن أن تعود بالفائدة عليها وعلينا فى مصر المحروسة وكل دول المحيط.

هذا عن الأسباب الخارجية التى تشلّ حركة المحروسة، أما الأسباب الداخلية فأخطرها هو التخلف العقلى وشيوع الخرافة وتدنى مستوى التعليم.

ألا يصاب الإنسان المحب لهذا البلد والذى عاش عمره لا يعرف له حباً غيره.. ألا يصاب إنسان هكذا بالدوار وهو يصدم بذلك كله حوله.

اللهم رحماك.

اللهم رحماك.

والله المستعان.

elgamallawoffice@gmail.com