فى 28/8/2014 كتبتُ مقالاً فى جريدة الوطن بعنوان «للرئيس السيسى وللشعب بعض المليارات المنهوبة» أظهرتُ فيه وقائع لفساد وقح لبعض المصريين الذين ذكرتهم بالأسماء والذين استباحوا ثروات الشعب واستولوا عليها بالمساعدة والمشاركة مع القائمين على إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة فى ذلك الوقت، كذلك حددتُ الأراضى التى استولوا عليها ومواقعها والأسعار البخسة والصورية التى حددتها لهم هيئة المجتمعات العمرانية لتسهيل تربحهم بالمليارات.
وطوال هذه المدة لم أتلق أى رد فعل على ما كتبته، وكنت أظن أن الجهات المسؤولة ستهتم بالأمر باعتباره بلاغاً مكتمل الأركان بالأسماء والوقائع والأسعار، مما أصابنى بالإحباط واليأس من أى إصلاح يُرجى، خاصة ونحن فى عهد جديد بعد ثورتين كانت الأولى فى 25 يناير ضد الفساد والاستبداد، وكانت الثانية ضد الفاشية الإخوانية الإرهابية وفساد حكمها.
وفى يوم السبت 2 مايو توجهت إلى مقر هيئة النيابة الإدارية صحبة موكلى الأستاذ الدكتور محمد الوحش وهو من رواد زراعة الكبد فى مصر لحضور تحقيق، وتقابلت مع السيد المستشار سامح كمال، مدير المكتب الفنى للهيئة، والسيد المستشار عصام المنشاوى، وكيل المكتب الفنى، وكانت المفاجأة حين دخل علينا بالصدفة السيد المستشار ياسر نبيل، نائب رئيس الهيئة، والذى أخبرنى سيادته بأن المقال الذى كتبته فى جريدة الوطن ما إن قرأه السيد المستشار الجليل المرحوم عنانى عبدالعزيز عنانى رئيس الهيئة، فى ذالك الوقت، حتى أمر بالتحقيق فيما ورد بالمقال من وقائع، وكلف السيد المستشار ياسر نبيل بالتحقيق، وكان ذلك بتاريخ 30/8/2014 أى فى أول يوم عمل بعد المقال، وهذا التكليف وبهذه السرعة يعكس مدى حرص المرحوم المستشار عنانى عبدالعزيز وغيرته على المال العام وعلى مصالح الوطن وثروات الشعب.
وبناء على هذا التكليف، بدأ المستشار ياسر نبيل تحقيقاته واستحضر خرائط المواقع لمطابقتها مع البيانات الواردة فى المقال وقام باستدعاء موظفين وقيادات بهيئة المجتمعات العمرانية وواجه بعض الأشخاص المذكورة أسماؤهم بالمقال وتمكن بفضل هذه الإجراءات من توريد مبلغ 250 مليون جنيه لخزينة الدولة، فضلاً عن مساحات شاسعة من الأراضى تم استردادها، ومازال الملف مفتوحاً تواصل فيه الهيئة والمستشار ياسر نبيل الجهود لاسترداد أموال الشعب.
وما علمته – مع الأسف – أن بعض الأراضى، التى أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية عن سحبها قد تم سحبها ورقياً فقط وليس على أرض الواقع، ومازالت بعض الأراضى تحت يد إحدى الشركات تستغلها وتنتفع بها رغم إعلان هيئة المجتمعات العمرانية عن سحبها، ورغم تغيير نائب رئيس هيئة المجتمعات للشؤون العقارية المهندس مجدى فرحات.
ما سبق كان يتعلق بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن تحقيقات هيئة النيابة الإدارية والتى أجراها المستشار ياسر نبيل أيضاً وبالتنسيق مع هيئة تنشيط السياحة قد تمكنت من استرداد مبلغ 234 مليون جنيه لصالح خزينة الدولة – تم توريدها بالفعل – من مستثمرين حصلوا على أراضِ فى مواقع سياحية بشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر وكذلك تم سحب واسترداد مساحة أراضِ قدرها 22 مليون متر مربع كانت قد خصصت منذ عام 2006 لمستثمرين لإقامة مشروعات سياحية عليها ولم ينفذوا المشروعات، وبعد سحب هذه الأراضى – 22 مليون متر مربع – تمت إعادة طرحها بأسعار تتراوح بين 10 و12 دولارا للمتر الواحد بما يقدر بمبلغ 242 مليون دولار تعادل مبلغ مليار وثمانمائة وثلاثة وستين جنيهاً.
وبالطبع فإن ما شاهدته وما سمعته من فرسان هيئة النيابة الإدارية بعث فىّ روح الأمل وبدد مشاعر الإحباط واليأس التى كنت أشعر بها.
وإذا كانت الدولة تدعم جهود القوات المسلحة والشرطة المدنية بكل ما تملك فى الحرب على الإرهاب فإن واجب الدولة أن تدعم وبنفس القوة الجهات الرقابية فى حربها على الفساد الذى لا يقل خطورة عن خطر الإرهاب ولا يحتاج ذلك إلا للدعم القانونى لهذه الجهات ومنحها المزيد من السلطات والصلاحيات فى ظل استقلالها عن السلطة التنفيذية.
فتاريخ النيابة الإدارية يرتبط بتاريخ مكافحة الشعب المصرى للفساد ويظهر ذلك جلياً لدى استعراض تاريخ نشأة النيابة الإدارية حتى صدور دستور 2014، مؤكداً فى المادة 197 منه على دورها الذى نيط بها طوال تاريخها فى مكافحة الفساد.
ولما كانت النيابة الإدارية هى الأمينة والنائبة عن المجتمع فى تعقب الجرائم والمخالفات التى تقع من الفئات الخاضعة لولايتها مستهدفة حماية المال العام وأداء المرافق العامة لواجباتها وضمان وصول الخدمات للمواطنين فإن ذلك يقتضى تعديل قانون هيئة النيابة الإدارية بما يتواءم مع ما توسمت به الأمة فى دستورها الدائم ويقتضى ذلك فصل ولاية وزارة العدل على هيئة النيابة الإدارية باعتبارها هيئة قضائية مستقلة وإضفاء الحصانة القضائية الكاملة على أعضائها، وتمكين الهيئة من تفعيل دورها فى مكافحة الفساد بإدخال شركات قطاع الأعمال العام فى اختصاصها، وأن يكون التحقيق مع الجامعات دون إذن من رئيس الجامعة.
وكذلك حقها فى تكليف الرقابة الإدارية والشرطة بإجراء التحريات اللازمة فى كل الأمور التى تبلغ بها النيابة الإدارية.
تحية من كل شرفاء مصر لفرسان النيابة الإدارية وتحية خاصة لروح المرحوم عنانى عبدالعزيز عنانى، رئيس الهيئة السابق، على شجاعته وإقدامه وغيرته على أموال وثروات الشعب وتحية خاصة إلى رجالها المخلصين المستشارين سامح كمال وعصام المنشاوى وياسر نبيل الذين بعثوا الأمل فى أن لدى مصر رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه وبهم وبأمثالهم من رجال مصر الشرفاء فى كل مؤسسات الدولة ستنهض مصر وتقضى بإذن الله على الإرهاب والفساد.