عن الجمهور والجماهير!

عبد المنعم سعيد السبت 09-05-2015 21:46

قال مدرب الفريق القومى لكرة القدم هيكتور كوبر إنه لا يتصور لعبة كرة القدم بدون جمهور، لأن هذا الأخير جزء من اللعبة. سوف آخذ الموضوع بعيدا بعض الشىء: وهل يمكن أن يكون هناك مسرح بلا جمهور؛ أو أفلام سينمائية لكى لا يشاهدها أحد؛ أو قاعات للمحاضرات لا يوجد فيها من يستمع إلى المحاضرة؟ مثل ذلك حدث فقط فى مسرح العبث أو اللامعقول عندما ألف الكاتب الرومانى أوجين يونسكو مسرحيته «الكراسى» التى دخل فيها المدرس إلى الفصل فلم يجد أحدا فقرر أن يلقى المحاضرة أو الدرس على أية حال؛ على الكراسى. نحن هنا إزاء فكرة عدمية، لا يشكل الوجود الإنسانى فيها فارقا من أى نوع. فى الذهن المصرى الحالى فإن هناك فارقا كبيرا، فعندما يقوم جمهور كرة القدم فى مباراة جرت فى بورسعيد بقتل ٧٢ (قيل ٧٤) إنسانا جاءوا لمشاهدة كرة القدم، فإن الأمر يشكل معضلة كبرى؛ وتصير المعضلة كارثة مركبة عندما تكون هناك مباراة أخرى فى استاد الدفاع الجوى، فيقتل الجمهور بشكل ما ١٧ إنسانا مصريا. الحل لهذه الكارثة بامتياز هو أن تجرى مباريات كرة القدم بدون جمهور، أى يلعب اللاعبون ويقومون بتطبيق الخطط الرياضية التى تم استيراد طائفة من المدربين الأجانب من أجل تنفيذها، فضلا عن الفنون الأخرى من التمرير و«الترقيص»، وبالطبع تسجيل الأهداف، كل ذلك أمام «الكراسى»، أو لا تغضب «المدرجات».

والجمهور هو جماعة متخصصة من الجماهير، وقيل عنهم فى الأزمنة القديمة «النظارة» الذين يشاهدون أمرا ما، سواء كان مباراة فى كرة القدم أو مسرحية أو يستمعون إلى غناء أو ما أشبه من فنون. فى المسرح الحديث رفعت الستارة أو الحاجز بين الممثلين والجمهور، وأصبح هذا الأخير جزءا من المسرحية. لم يكن ذلك قائما فى كرة القدم لأن جمهورها ظل دائما فى المدرجات. ولكن التطور الجديد الذى جرى فى الفكر المصرى هو أن للجمهور حقا فى التعبير الفنى عن نفسه بأن ينزل إلى الملعب لكى يعلّم اللاعبين كيف يلعبون، وأحيانا يبدأ المباراة قبل بدايتها، وانطلاقة صفارة الحكم، بأن يبدأ القتل أو أشكال مختلفة من العنف. مثل ذلك لم يشكل كثيرا من المشاكل للمسؤولين فى مصر، ولكن المعضلة كانت ما الذى نفعله مع الاتحاد الدولى والاتحاد الأفريقى، فبصراحة ربما لا يكون مهما الجمهور المصرى، وإنما الجمهور الدولى الذى علينا أن نأخذه فى حساباتنا دائما.

تعلمنا فى قاعات درس العلوم الاجتماعية أن الجماهير والجمهور والجمهرة هى ظواهر جماعية يذوب فيها الكل فى عقل جماعى واحد تذوب فيه العقول الفردية أو توضع لها حدود، لأنها لو أسفرت عن نفسها لبدت كما لو كانت تخون الجماعة. وفى الفلسفة اليونانية القديمة كانت الديمقراطية هى أسوأ النظم السياسية لأنها فى النهاية كانت تعبيرا عن ظواهر جمعية وجماعية، يمكن أن يحركها أصحاب المواهب فى تحريك الغرائز. واحتاجت الإنسانية وقتا طويلا حتى تهذب الفكرة وتجعلها واقعة ضمن قيود الأغلبية والأقلية، وحقوق الإنسان التى لا يمكن انتهاكها حتى ولو اجتمعت غالبية الكرة الأرضية. فى مصر انفلت العيار كثيرا، ولم تتح الفرصة لتدريب الجمهور والجماهير، بل على العكس اكتسب نوعا من القداسة، وبدت الثورة نبيلة وكريمة وبريئة، ولعل ذلك على الأرجح هو الذى أدى إلى انتهاكها من قبل جماعات فاشية منظمة، أو مشجعين للكرة عرفوا بالتعصب. النتيجة أنه لم يعد لدينا كرة قدم لأنه لم يعد لدينا جمهور بالمعنى الحديث على الأقل!.