مجنون أنت كالحب.. ياعصام

جمال الجمل السبت 09-05-2015 04:00

(أريدُ أن أكتبَ قصيدةً تبدأ هكذا: في التاسعِ من أغسطس حدثت كارثةٌ كبرى../ ثم أتوقفُ وأذهبُ لأصنعَ شايًا).

هذه قصيدة كاملة من ديوان صدر حديثا للشاعر عصام أبوزيد بعنوان «الحياة السرية للمجنون الأخضر»، ويعجبني أن أسميها «قصيدة مضادة»، أي أنها قصيدة مكتملة في الديوان، لكن الشاعر يخونها ويعترف بنقصانها ربما ليعبر عن قلقه ونقصانه هو الآخر، وربما ليحكي لنا عن طقوسه في الكتابة، وعن حبه للشاي!

قصائد الديوان توحي أن عصام هو المجنون، وأن الأخضر هو الحب، وهذا يتيح لنا أن نتلصص على الحياة السرية لعصام وللحب معا، فلا فرق بينهما، المشكلة التي تواجهنا في الديوان وفي حياة الشاعر أنه يستدرجنا لدخول عالمه الملون بالبهجة والنزق ومفردات الحب، وعندما ندخل لنتلصص، نكتشف أننا قد وقعنا في متاهة من النشوة الغامضة، لا توجد أسوار تفصلنا عن الواقع، لكننا نمضي مخمورين بسحر المتاهة من دون أن نعرف حتى عن أي حب يكتب عصام؟، فالحب عنده هو كل شئ وكل معنى، حتى الكراهية في ديونه تصبح صورة من صور الحب، كذلك الغيرة والتنافس، والفراق، والقتل أيضا، ففي قصيدة «يحبونها» ينشد مندهشا:

«يا الله.. حتى الجواسيسُ يحبونها/ الخائنُ والقديسُ وابنُ الزانيةِ وتاجرُ الحرير/ كلبُ الحراسةِ والسكرانُ/ والوغدُ الكبيرُ الذي يحكمُ المدينة»

عصام يعرف أن الحب ليس جنة أبدية، ويعرف أن أجملُ القصصِ لم تكن يوماً جميلة، لذلك يقول «لها»:

«متى تفهمينَ أن لحظةَ الاعترافِ بالحبِ هي نفسها لحظة الوداع/ الحبُ العظيمُ يا عزيزتي لا يعيشُ بالتحقق/ أجملُ القصصِ لم تكن يوماً جميلة

ضلوعُنا التي تحطمت إلى أقواسِ نصرٍ عندَ مداخل المدينةِ هيَ التي تصنعُ الجمال»

لا أعرف هل يغني عصام للعبث مثل سيزيف؟، أم ينظم تشاؤم شوبنهور شعرا؟، أم أنه مجرد طفل غرير يستمتع بتكسير لعبته المفضلة، ثم يجلس بين الأطفال يحكي عن روعة اللعبة المكسورة؟!

إنه يقول في القصيدة ذاتها:

«كم رغبتُ في حكايةٍ أخرى خلفَ هذهِ الحكاية/ الحكاياتُ كلها منذورةٌ للنهاية»

هذا العاشق الانتحاري يقف لا مباليا بالعالم في حضرة حبيبته، ويقول لها في قصيدة «مغرم»:

لا أريدُ من العالمِ شيئاً/ العالمُ تافهٌ ولا يستحقُ أن أنظرَ إليه/ هيا، أنتِ تدينينَ لي برقصةٍ أخيرة/ ضعي يدَكِ على كتفي/ ودعيني أراقبُ عينيكِ«

وفي قصيدة بعنوان «مشاعر» يقول:

«لا أحملُ لكِ أيةَ مشاعرَ حلوةٍ/ لكنني أحبُ أن أتناولَ الإفطارَ معكْ/ وأن أضعَ يدي على جبينِكِ/ وأسمعَ أفكاري التي هربت إلى رأسكْ/ أخبريني كيفَ أنا الآن؟ / هل ما تزالُ ذكرياتي توجعني كلما نظرتُ إلى يديكِ/ وكلما ذهبتُ بالخيالِ بعيداً إلى ما وراءِ يديكِ تعبتُ وانكسرت؟/ الحبُ لا يموتُ صدقيني/ لكنه يتغير»

عندما يتغير الحب يطارد الشاعر حتى باب بيته، فيقول في قصيدة عنوانها هو مطلعها:

«وأنا أفتحُ بابَ بيتي/ وأدفعُ الأيامَ دفعاً لأرتاحَ منها/ يتسللُ حبُكَ إلى قلبي/ لا أريدُ الآنَ حباً/ أريدُ حياةً طويلةً تنقضي/ في يومٍ واحدٍ طويل»

لاتصدقوا عصام، فهو يقول في قصيدته التالية: «يأخذُنا الحبُ إلى خارجِ الطريقِ مبكراً/ ويقصفُ أعمارَ أحلامِنا المؤجلة/ لم يعد باستطاعتي/ الوقوفُ وانتظارك»

يعترف عصام أبوزيد أنه يعيش في قاع العالمِ حيث توجدُ مدينةٌ فارغةٌ ومسحورة/ سكانُها الأشباحُ يغنونَ ويعزفون موسيقى/ أربعونَ عاماً أحاولُ الوصولَ إليهم/ أعرفُ أنني واحدٌ منهم/ شبحٌ مارقٌ أغواه النور«

يناشد حبيبته في هذيان غير واقعي: قولي للسماءِ أن ترضى علينا/ واطلبي من الشمسِ أن تذوبَ في المحيط.

«تخيلي أنني أقولُ الآنَ وداعاً/ راقبيني وأن أنطقُ حروفها/ اسمعي نبضَ كلِ حرف/ وقولي هل أنا أحبُكِ فعلاً؟/ هل قلبي قادرٌ على احتمالِ كلِ هذا الجمال/ وأنتِ تهمسينَ لي في عُمقِ أعماقِ روحي/ الوداعُ يا مجنون.

...

مجنون أنت كالحب ياعصام.

لوحة «عشاق خضر» – للفنان مارك شاجال- 1915

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com