تحية طيبة وبعد:
لا شك أن قياس إنجازات الرؤساء والمقارنة بينهم عمل ليس بالهين، يتطلب استدعاء كل الحقائق وليس بعضها، وتجرداً من الأهواء والمشاعر. وكما ذكرت فالحقيقة مبهمة، فلتكن إذن مبحثاً للخبراء والباحثين فى كلية السياسة والعلوم الاقتصادية، كما اقترحت، لتحديد معايير القياس، نقيس بها كذلك الرئيس الحالى والقادمين من بعده.
لكن لى بعض التعليقات على قياساتك للرؤساء السابقين، فقد قِسْتَ عبدالناصر بشعبيته، ثم أسهبتَ فى ذكر مثالبه من تحطيم للاستثمار واحتلال لثلث أرضنا.. إلخ. وأحب هنا أن أقول إن شعبية عبدالناصر لم تأته خبط عشواء، وإنما كانت رد فعل جماهيرياً لزعامته وعمله، وهى تعيش إلى اليوم فى نفوس الكثير من المصريين وغير المصريين، والزعيم يقاس بالمبادئ والأفكار التى عاش لها، حتى لو اعتور مساره على الأرض بعض الكبوات. وانظر إلى نابليون بونابرت، فرغم أنه انهزم فى نهاية مطافه، واحتُلت بعد هزيمته فرنسا كلها وليس ثلث أراضيها فقط، فهو اليوم- رغم ذلك- بطل فرنسا الأوحد، لا يدانيه فى تاريخها زعيم.
■ ■ ■
رد نيوتن على الجزء الأول الخاص بعبدالناصر الزعيم الأكثر شعبية (1)
فى هذا الموضوع لم أدَّعِ العلم. كنت أتساءل كيف يقاس. هل يقاس بدخل المواطن «النسبى» فى كل عصر. أو بالدخل القومى. أم بزيادة فرص العمل. ولاسيما فى بلد تزايد السكان فيه يجعل الجميع يلهث. والاقتصاد غير قادر على ملاحقة هذا التزايد. ولكن قد أجتهد وأقول إن الأثر والنتائج التى يتركها الرئيس من بعده تكون أيضا قياسا صحيحا.
مقارنة عبدالناصر بنابليون بها ظلم كبير لعبدالناصر.
■ ■ ■
فنابليون هو سلسلة مستمرة من الانتصارات. العسكرية والمدنية. دَوَّخَ أوروبا واحتلها جميعا. نعم تغير حظه منذ شرع فى احتلال روسيا عام 1812. هو كشخص كان متفوقا فى العلوم العسكرية. كان متفوقا فى «الآداب- التاريخ- الجغرافيا». تعرف عن كثب على مؤلفات فولتير ومونتسكيو وروسو. الأخير كان أكثرهم أثرا فى ذهن الضابط الشاب.
مع ذلك أهم إنجازاته الباقية عالميا هو القانون المدنى الفرنسى. «Code Napoleon». بهذا اعتُبِر راعيا للحضارة. قانونه هو الذى وضع الأسس الإدارية والقضائية لمعظم دول أوروبا الغربية. بالمناسبة هذا ينطبق على مصر أيضا.
عندما شرع هذا العسكرى (بالخلفية التى شرحتها) فى فتح مصر. اصطحب معه 167 عالما. علماء فى الرياضيات- البيئة- الكيمياء- والجيوديسيا. لم يمكث هو فى مصر إلا لعام واحد تقريبا. هذا الشخص إذا قِسْناه بالنتائج الباقية عنه. فأحد علمائه فك شفرة اللغة الهيروغليفية. ظلت لغزا على المصريين آلاف السنين. إلى أن تم اكتشاف حجر رشيد. أرخ علماؤه لتراث مصر الحضارى بموسوعة «وصف مصر». ظل عملا لم يدانِه عمل منذ ذلك الوقت. فكما تعلم قوانين دولتنا مؤسسة على القانون الفرنسى الذى أرساه هذا النابليون. فهذا هو أثره فقط على مصر. بخلاف أثره على باقى بلاد العالم.
■ ■ ■
قد تكون المقارنة جائزة بين نابليون ومحمد على مثلا. أو نابليون والخديو إسماعيل على أقل تقدير. ولكن من الظلم البين لعبدالناصر أن نفتعل مقارنة بينه وبين نابليون فرنسا أو بسمارك ألمانيا أو حتى مهاتير ماليزيا.
■ ■ ■
غدا نستكمل باقى الرد والتعليق عليه.