إسرائيل صناعة عربية

طارق عباس الجمعة 08-05-2015 21:04

سبع وستون سنة مرت على قيام إسرائيل وغروب شمس الاستقرار عن منطقة الشرق الأوسط وانشطار الجسد العربى لنصفين وضياع فلسطين وتشتيت معظم أهلها فى أنحاء الأرض وحبس بقيتهم فى أكبر سجن عرفه التاريخ، سبع وستون سنة شهدت على أن إسرائيل التى ولدت عام ١٩٤٨ صارت الأجدر والأقدر على حماية أمنها وسلامتها وفرض أجندتها السياسية والعسكرية، وأن العرب الذين يضربون بجذورهم فى عمق التاريخ، قد توارت إرادتهم فى أنظمة يمكن اعتبارها الصانع الرئيسى للنكبة، والمسؤول الأول عن استمرارها حتى يومنا هذا، والسؤال الذى يفرض نفسه الآن: كيف نجحت هذه الأنظمة فى صناعة النكبة؟ وهل انتصرت إسرائيل فعلاً، أم أن العرب دخلوا المعركة وهم مهزومون بالفعل؟ بقراءة واعية لكيفية حصول النكبة، نلاحظ أنها كانت نتيجة طبيعية للتخبط وعشوائية القرارات وتناقض الرؤى وتغليب المصالح الشخصية على المصالح العربية العليا، كان دخول مصر حرب فلسطين، مثالاً صارخًا للعشوائية، حيث لم يكن الجيش مستعدًا لخوض مثل هذه المعركة وينقصه التدريب والعتاد والسلاح والخبرة والدراية الكافية بتحصينات اليهود وأسلحتهم، كما لم تستعد قيادة الجيش للاحتمالات التى قد تفرضها المعركة، كالحصار أو منع الإمداد، ورغم كل هذا، طلب النقراشى باشا من رئيس مجلس الشيوخ فى ١٢ مايو ١٩٤٨ عقد جلسة سرية للنظر فى دخول القوات المصرية إلى فلسطين، وبالطبع لم يكن هدفه إنقاذ فلسطين، ولو كان ذلك هدفه لعمل لهذا اليوم ألف حساب، لكنه يريد أن يصرف الأنظار عن المشكلات الكثيرة التى أخذت تتنامى فى عصره وأصبحت عبئًا على حكومته التى كانت لا تمثل إلا حزب الأقلية (السعديين)، كما وجد الملك فاروق فى دخول القوات المصرية الحرب فرصته الذهبية لاسترداد بعض سمعته التى تدهورت نتيجة تردى الأوضاع الاقتصادية والرغبة فى تدعيم هيبته وتهدئة الفوران الشعبى، لذلك لم ينتظر رد البرلمان على طلب النقراشى باشا وأعطى أوامره لمحمد حيدر باشا - وزير الحربية - باجتياز الجيش المصرى الحدود، وبدأت المعركة والعرب بلا قيادة موحدة أو هدف واحد،

ومن المعروف أن تحقيق الانتصارات فى غياب وحدة القيادة والهدف من المستحيلات، والغريب أن أصحاب القرار لم يدركوا أن عدد القوات الإسرائيلية المشاركة فى المعركة يفوق عدد قوات الجيوش العربية السبعة بثلاثة أضعاف، يقول المواوى، قائد القوات المصرية المتورطة فى فلسطين: (إن التعليمات بدخول العرب إلى أرض فلسطين لم تصدر إلا يوم ١٤ مايو ١٩٤٨ ولم يكن تحت قيادته عندما دخل إلى فلسطين سوى مجموعة لواء مشكلة من ثلاث كتائب بالإضافة إلى قوات سعودية وسودانية محدودة جدًا ولم يتجاوز عدد القوات التى تولى قيادتها خمسة آلاف جندى غير مدربة على القتال، ولم يسبق لها القيام بمناورات عسكرية وتعانى نقصًا فى الأسلحة والعتاد مما اضطرها فى بعض الأحيان لنسف عدد من المدافع بعد نفاد الذخيرة منها)، وبالإضافة للفشل فى قيادة القوات وضح التعارض فى الأهداف بين الدول العربية، لذلك عندما حدث التقدم العسكرى الإسرائيلى، قرر الملك عبدالله، ملك الأردن، وقف القتال من جانب قواته، تاركًا القوات المصرية وحدها تلقى مصيرها وتُطرَد من النقب، وصمدت مصر للسيطرة على المنطقة الممتدة من الحدود إلى غزة حتى لا تقع فى يد الملك عبداللهّ، وفى هذا المناخ نجح اليهود فى احتلال - بالإضافة إلى الأراضى التى رسمها لهم قرار التقسيم - سائر منطقة غرب الخليل والرحلة وجزء من وسط فلسطين وكل المناطق التى كانت مخصصة للفلسطينيين ضمن قرار التقسيم، وفى ١٦ أكتوبر 1948 شنت العصابات الإسرائيلية هجومًا كبيرًا على القوات المصرية التى أصبحت وحدها فى المعركة وهزمتها فى دير البلح، وبحلول ٢٧ ديسمبر كانت الجبهة الشرقية المصرية قد انهارت تمامًا وعبرت القوات الإسرائيلية صوب العريش ورفح لإجبار المصريين على سحب ما تبقى من قواتهم فى جنوب غرب فلسطين، وهكذا انتهت الحرب وبقيت الإجابة الراسخة فى الوجدان الشعبى العربى أن الذين هزموا هم العرب، لأنهم لو تمسكوا بقليل من الوحدة والتخطيط وتحمل المسؤولية والوعى بالخطر الصهيونى لأمكنهم القضاء على إسرائيل فى المهد. بالأمس القريب كانت إسرائيل فى بدايتها وكان من الممكن القضاء عليها أو حتى تحجيمها، ولكن كالعادة تضيع الفرص ولا يبقى من مواقف الأنظمة العربية إلا البكاء على الأطلال.