عن اللامركزية من جديد
ﻻ أعرف كيف أشكرك على إطلاق هذه الحملة شديدة الوعى ضد مخاطر اﻻستمرار فى مركزية الدولة فى مصر، والتى هى بلاشك أحد أسباب تدهور الكثير من أمورنا وخدماتنا وإدارتنا المحلية وأشياء ﻻ تحصى. لقد كنت مقيماً فى منطقة نيويورك وضواحيها حوالى 20 عاماً، وهناك تدرك قيمة اللامركزية. كنت أسكن مدينة صغيرة ﻻ يتجاوز تعداد سكانها بضعة آﻻف، ومع ذلك ينتخبون عمدتها الذى يتولى بالفعل إدارتها كرئيس لجمهوريتها، وينتخبون رئيس شرطتها الذى يشرف على أعلى مستوى من إنفاذ القانون وضبط النظام، وينتخبون مجلسها التعليمى الذى يدير مدارسها، التى ربما ﻻ مثيل لها فى معظم أنحاء العالم، وينتخبون موظفين عموميين آخرين. كل هذه المنظومة الرائعة والخاضعة لمساءلة السكان المحليين تمولها الضرائب التى يجمعها جهاز المدينة من السكان، وهى بالمقام اﻷول الضرائب العقارية والتجارية، بالإضافة إلى ما تُحَصِّله من غرامات ومخالفات مرورية ورسوم من الشرطة وفى المحاكم وغير ذلك. هل نطمح فى أن ننتقل يوماً إلى هذا النموذج شديد النجاح والفاعلية؟ ﻻ مناص من ذلك، ﻷن أجهزة الدولة المركزية ووزاراتها صارت أصغر وأقل قدرة بكثير وعاجزة عن إدارة وتسيير هذا الجسم بالغ الضخامة من مكاتب نائية فى المركز، وتعانى من الترهل البيروقراطى المؤلم. صارت مصر مثل الفيل الذى يحاول البقاء بقلب أرنب، وهو ما يعنى اﻻنهيار.
بهاء القوصى
منظمة الصحة العالمية