من بيل إلى هيلارى كلينتون

منار الشوربجي الثلاثاء 05-05-2015 21:56

حين قرأت ما قالته هيلارى كلينتون تعليقا على أحداث بالتيمور، تذكرت الفترة التى كنت فيها أعد لنيل درجة الدكتوراه. فما قالته كلينتون مؤخرا كان يحمل مفارقة تستحق التأمل لأنه يجسد الجديد اليوم فى أمريكا. فعشية مقتل الشاب الأسود فريدى جريى واندلاع المظاهرات مجددا فى بالتيمور احتجاجا، لأن شابا أسود آخر قتل على يد الشرطة الأمريكية، دعت المرشحة الديمقراطية للرئاسة للحد من بناء السجون و«إصلاح النظام الجنائى القضائى»، المسؤول عن إلقاء السود فى السجون بأعداد مذهلة ولسنوات لا تتناسب مع الجرائم وأطول مما يحصل عليها البيض ومطالبة «بنهاية عصر» التوقيف والسجن بالجملة لـ«السود»، وإيجاد بدلا من ذلك فرص للتدريب والتعليم والعمل للسود الفقراء.

وتلك هى المفارقة. فعندما كنت فى مرحلة اختيار موضوع لرسالة الدكتوراه، كان بيل كلينتون لايزال فى الحكم. وقتها، لفت انتباهى بشدة أن قانونا محافظا لمكافحة الجريمة توسع فى بناء السجون وتغليظ العقوبات صدر بينما الديمقراطيون فى الكونجرس والرئاسة معا، رغم أن قضية الجريمة من القضايا الأثيرة لدى الجمهوريين استخدموها بعد حركة الحقوق المدنية مباشرة للتراجع عن بعض مكتسبات الحركة دون استخدام خطاب يبدو عنصريا. وبسبب تلك الملاحظة كان مشروع قانون الجريمة الذى أصدره الكونجرس «الديمقراطى» ووقعه بيل كلينتون «الديمقراطى» فى 1994 من بين التشريعات التى اختبرتها فى رسالتى لنيل الدرجة العلمية. ومشروع القانون هذا كان يعارضه الأعضاء السود فى الكونجرس بشدة ورفضوه فى التصويت المتتالى لأنه توسع فى تطبيق عقوبة الإعدام فى الجرائم الفيدرالية، وخصص أموالا ضخمة لبناء السجون. فهم كانوا يعلمون وقتها أن القانون سيعانى منه السود أكثر من غيرهم، خصوصا أنه مع رحلة المشروع الطويلة فى الكونجرس تم حذف الضمانات التى كانوا قد وضعوها لحماية الحقوق المدنية. وكان القانون فعلا، ضمن غيره، مسؤولا عن المزيد من مشكلات النظام الجنائى القضائى.

والمفارقة هنا لا تتعلق إطلاقا بأن هيلارى كلينتون كانت زوجة الرئيس ومن ثم فإنها مسؤولة عما فعله. على العكس، لأن هيلارى كلينتون لم تكن مجرد قرينة للرئيس. فبيل كلينتون انتخب بناء على شعار انتخابى كان يقول للناخب صراحة «انتخب واحدا وخذ اثنين»، يقصد هيلارى وبيل كلينتون معا. وقد تولت هيلارى بالفعل مهام كبرى فى إدارة زوجها كان أهمها مشروع قانون الرعاية الصحية. وكان لها تصريحاتها وقتها التى أتذكر منها جيدا ما كان مؤيدا لما جاء فى قانون الجريمة، رغم أنه كان يقال وقتها إنها أكثر ليبرالية من زوجها الذى يمثل يمين الحزب الديمقراطى.

ولا أظن أنه يخفى على هيلارى كلينتون أن سجل تصريحاتها طوال تاريخها السياسى سيستخدم للهجوم عليها إذا ما بدت غير متسقة مع ذاتها. ولا أظن أنها قالت ما قالت مؤخرا لمجرد أنها تخشى أن ينافسها مرشحون من على يسار الساحة السياسية. فلولا أن جديدا يحدث على الأرض فى أمريكا، لما خاطرت. فما حدث بالذات فى بالتيمور، بعد فرجيسون ونيويورك وسانت لويس وغيرها، يؤكد أن حركة الحقوق المدنية التى لم تكتمل فى الستينيات تفتح فصلا جديدا من فصول كفاح السود. فالمنظمات السوداء الكبرى كانت حاضرة على الأرض وعضو الكونجرس الأسود الممثل لبالتيمور يطوف مع الشباب فى المسيرات، وتعبير «الحركة» استخدمته النائب العام فى الولاية. وهيلارى كلينتون، السياسية بامتياز، تدرك أن تاريخا يصنع ولا ترغب فى أن تتخلف عن ركبه.