المشيران طنطاوى وأبوغزالة.. طريقتان وظرفان

إبراهيم البحراوي الإثنين 04-05-2015 21:19

سأتحدث هنا عن موضوعين، الأول تقييم التاريخ المقارن لطريقة المشير طنطاوى وزير الدفاع ومعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى التعامل مع ثورة يناير 2011 وطريقة المشير أبو غزالة وزير الدفاع فى التعامل مع تمرد الأمن المركزى عام 1986 مع اختلاف الظرف.

مناسبة هذا الموضوع ما قاله رجل الأعمال حسين سالم ورجل المخابرات السابق فى حديثه بـ«المصرى اليوم» يوم الأربعاء الموافق 29 إبريل الماضى عن الثورة وطريقة أبو غزالة. أما الموضوع الثانى فهو واجبنا كشعب كريم فى رعاية اللاجئين العرب الذين لجأوا إلى مصر فرارا من الموت فى بلادهم بسبب الثورات والحروب الأهلية.

أبدأ بما قاله حسين سالم لمحررة «المصرى اليوم» فتحية الدخاخنى. لقد سألته المحررة قائلة «حدثنى عن مبارك الذى عرفته» فأجاب سالم «هو شخص محترم جدا ووطنى جدا وطيار رفيع المستوى علم أجيالا». وسألته المحررة «ولماذا ثار عليه الشعب؟» فأجاب سالم «هذا من عمل الإخوان المسلمين، ضحكوا علينا كلنا وجابوا مرسى رئيسا للجمهورية». فعادت المحررة لتسأله قائلة «لكن ثورة يناير لم تكن ثورة الإخوان!» فأجاب سالم قائلا «العملية خرجت مظاهرة عادية من شباب طيبين وكان يمكن كبتها كما حدث فى الثمانينيات على يد أبو غزالة». فعادت المحررة تسأله «لماذا تركوها؟» فأجاب سالم «لا أعرف ولا أتدخل فى السياسة، هناك من كان من مصلحتهم أن يذهب مبارك وقالوا كفاية». فعادت المحررة تسأله «من هؤلاء الناس وهل كان هذا خوفا من سيناريو التوريث؟» فأجاب سالم «لا أعرف ولن أتحدث فى السياسة، الإخوان الشياطين أضاعوا البلاد والحمدلله أنقذ الرئيس السيسى البلاد».

إلى هنا ينتهى كلام حسين سالم فى الجزء الخاص بطريقة معالجة ثورة يناير 2011 وتمرد الأمن المركزى عام 1986 وهو الجزء الذى يهمنى والذى أعتقد أنه سيهم المؤرخين بعد عشرات السنين. إن الطريقة التى عالج بها المشير طنطاوى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة مظاهرات ثورة يناير كانت، كما شهدنا جميعا كشهود للتاريخ عاصرنا الأحداث، طريقة تنطوى على العناصر التالية:

1. الامتناع عن قيام قوات الجيش بإلحاق أى أذى بالمتظاهرين فى ميدان التحرير بالقاهرة وفى سائر المحافظات.

2. الحرص على تأمين ميدان التحرير وإغلاق مداخله بالدبابات التى رأيتها بنفسى وهى تقف كدرع يصد عن المتظاهرين أى احتمالات للعدوان بعدما عرف بموقعة الجمل والتى حاول فيها البعض الاعتداء عليهم.

3. التعامل مع البعد السياسى للثورة بأسلوب ناعم ساعد على تخلى الرئيس مبارك عن السلطة بصورة سلمية ورحيله عن القاهرة.

إن هذه العناصر فى معالجة المشير طنطاوى الذى خرج من الخدمة ومعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة تختلف اختلافا كاملا عن الطريقة التى طبقها المرحوم المشير أبو غزالة فى 1986 عندما استخدم القوة لقمع تمرد قوات الأمن المركزى التى خرجت إلى الشوارع فجأة تعتدى على أرواح الناس وتهاجم راكبى السيارات بالهراوات والأدوات الحادة. وأشهد هنا للتاريخ أن بعض أقاربى وبينهم زوجتى قد تعرضوا لعدوان شديد أثناء مرورهم بسياراتهم فى شارع صلاح سالم أدى إلى التدمير التام لسيارة زوجتى ونجاتها بأعجوبة.

السؤال هنا ماذا كان يمكن للمشير أبو غزالة أن يفعل لوقف هذا الهيجان من جنود الأمن المركزى الذين راحوا يحرقون الفنادق والمساكن المجاورة لأحد معسكراتهم فى منطقة الأهرام؟ إن لجوء المشير أبو غزالة فى عام 1986 إلى استخدام القوة المسلحة فى مواجهة جنود الأمن المركزى المسلحين مع تطبيق نظام حظر التجول كان أمرا محتما تمليه سلامة الشعب. إن التاريخ عندما سينظر فى المستقبل نظرة مقارنة بين الظرفين المختلفين فى 1986 و2011 يجب أن يضع فى حسبانه إذن العناصر التالية:

أولا: أن ما حدث فى 1986 هو تمرد مسلح من جانب وحدات نظامية يلزمها واجبها بحفظ الأمن لكنها تحولت إلى ميليشيات تدمر وتخرب وبالتالى فإن أى قائد للجيش فى ذلك الوقت وليس أبو غزالة وحده كان محتما عليه اللجوء للقوة لوقف تدمير البلاد ولتوفير الحماية للشعب.

ثانيا: أن ما حدث فى يناير 2011 كان مظاهرات سلمية بدأها كما يقول حسين سالم نفسه شباب طيبون قبل أن تتعرض لاستغلال من جانب الإخوان. وبالتالى فإن اللجوء إلى قوة الجيش المسلحة لقتلهم وقمعهم كان سيصبح عملا من أعمال الإفراط فى استخدام القوة وكان سيشبه ما قام به الصينيون عندما قتلوا المتظاهرين فى الميدان الأحمر ببكين وغسلوا أرضية الميدان من دمائهم قبل طلوع الفجر.

ثالثا: أن الطريقة الناعمة التى طبقها المشير طنطاوى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بمعالجة البعد السياسى وتخلى الرئيس مبارك طواعية عن سلطاته أمران يجب أن يوضعا موضع التركيز الشديد فى بحث المرحلة كلها من جانب الباحثين التاريخيين فى الأجيال المقبلة، أملا أن يقدم لهم المعاصرون للأحداث شهاداتهم من الآن مسجلة كما أفعل فى هذا المقال.

إن الموضوع الثانى الذى أريد الحديث فيه يجب أن أفرد له مساحة أوسع لكننى أوجزه هنا فيما يلى:

أولا: أن الله قد من على مصر وأهلها بالأمن وأنقذهم من المخطط الهدام الذى استهدف تفكيك دول العالم العربى وإثارة الحروب الداخلية فيها.

ثانيا: أن هذا يقتضى منا أن ننتبه إلى أن ضحايا المخطط قد لجأوا إلى مصر من العراق وليبيا وسوريا واليمن وأننا نحتاج إلى تكوين منظمة أهلية تدرس احتياجاتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية وتنظم حملات برامج لمعاونتهم إلى أن يعودوا إلى بلادهم. ولنا عودة أكثر تفصيلا مع هذا الموضوع.

info@bahrawy.com