رحلة صعود «صالح» من شارع «عكاشة» إلى أشبال الأهلي

كتب: رضا غُنيم الإثنين 04-05-2015 11:49

عاش صالح سليم ابن الأسرة الاستقراطية طفولته كأي طفل في مصر، ووجد متعته في «البمب» و«النبلة»، وفقدها حينما حاول اللعب بـ«كرة صغيرة مصنوعة من الكاوتش» أهداها له أحد أقاربه، وظل إلقاء «البمب» هوايته المفضلة، لكن كيف أصبح «صالح» عاشقًا لكرة القدم؟.

يقول الناقد الرياضي الراحل عبدالمجيد نعمان، أحد أبرز المقربين من «صالح»، في كتاب «صالح سليم»: «كان حوش مدرسة الأورمان الابتدائية يضم بعض شجرات الدوم، وكان التلاميذ الصغار يلعبون بالثمر على أنه كرة، وعندما كانت الثمرة تصيب المرمى كانوا يصيحون دوما، طربت نفس الطفل الصغير لتلك الضوضاء الجماعية، وانغمر في لعب الدومة يعب منها فوق الثمالة، وعندما كبر أولاد الجيران، بدأ صالح ينظر إلى الكرة الكاوتش نظرة أخرى، وأصبح يقدرها حق التقدير، فقد كانت مصدر التفاف أولاد الحتة وبفضلها تحول شارع عكاشة إلى ملعب صغير تغمره سعادة ساطعة تقطعها سحب من المرارة كلما نادي أهل أحد اللاعبين عليه بالعودة إلى المنزل».

ويضيف: «غادر صالح فصل السنة الرابعة الابتدائية بعد أن انتهت حصة القراءة متجهًا إلى مكان ما في حوش المدرس، حيث خبأ دومة كاملة الاستدارة، ليطمئن عليها توطئة للمباراة الكبيرة في فسحة بعد الغذاء، لفت نظره إعلان يقول إنه على من يرغب في لعب كرة القدم، أن يقدم اسمه إلى ضابط المدرسة، تردد صالح قبل أن يذهب إليه، لأنه كان كثيرًا ما ينهره لأن حذاءه أكل عليه الدوم وشرب، ولأن أظافره كانت سوداء من كثرة اللعب والشقاوة».

بحسب «نعمان»، انبهر «صالح» من ضخامة الملعب الذي يبدو عملاقًا بجانب شارع «عكاشة»، أو حوش المدرسة، كما كانت هذه أول مرة يتعامل فيها مع كرة قدم بالحجم القانوني، وكان يظن أن التحكم في الكرة «الكفر» أسهل من «الدومة»، بل ومن الكرة «الكاوتش»، ولكنه فوجىء بالأمر كله، وسرعان ما لهثت أنفاسه وبدأ يترنح في الملعب العملاق، وهنا قال له ضابط المدرسة سيد أفندي ساخرًا: «أنت بس شاطر في الشقاوة والزعيق في المدرسة، وساعة الجد هنا تعبت ومش قادر تجري.. أنت باين عليك مبتعرفش تلعب».

كانت الكلمة هنا جارحة لـ«صالح»، فكيف يقول له الضابط «أنت مش بتعرف تلعب»، وهو بمفرد يلعب ضد 5 من أولاد الجيران، ويتغلب عليهم.. لم ييأس «صالح» من هذه السخرية، بل على العكس ظل يلعب الكرة مع زملائه حتى استطاع بعد جهد أن يروض الكرة «الكفر»، وجاء اليوم الذي طلب منه «سيد أفندي»، أن يشترك مع فريق المدرسة في بعض المباريات منها مباراة الدور النهائي أمام المدرسة الخيرية الإسلامية، لكن المدرسة الخيرية فازت بالمباراة، ووقع «صالح»، وكُسر ذراعه.

يقول «صالح» لـ«نعمان» عن هذه الواقعة: «على عكس ما توقع الجميع فرحت بهذه الإصابة واعتبرتها أول وسام أتقلده في هذا الميدان».

بعد ذلك -وهنا الحديث لصالح سليم- رآه من النادي الأهلي حسين كامل، وسأله الانضمام إلى الأشبال، وافق والده على إشراكه في الأهلي، وأوصى عليه صديقه جميل عثمان، مدرب الفريق الأول في ذلك الوقت، تردد «صالح» على النادي أيام الجمعة، أما باقي الأسبوع فكان يرتع فيها بالملعب الأم «شارع عكاشة».

انتقل «صالح» بعد ذلك إلى مدرسة السعيدية، وأصبحت مركزًا للعب الكرة، والتدريب المتواصل بالنسبة له، وتمتع بمكانة مرموقة في دوري المدارس، وبدأء يتمتع أيضًا بحب الجميع في المدرسة، وبفضل «صالح» استطاع فريق السعيدية أن يواصل الانتصارات، وبدأ يلمع ويتألق في مباريات منتخبات المناطق.

في الوقت الذي كان فيه «صالح» بطلًا لكرة القدم في المدارس الثانوية، وأصبح اسمه معروفًا على مستوى المدارس، وقع خلاف بينه وبين إدارة مدرسة السعيدية، فقر ترك المدرسة والانضمام إلى مدرسة الإبراهيمية، وحظت الدارسة والمذاكرة بقدر ضئيل في حياته.

يقول «صالح»: «دعك من الذين يصفون تخلفهم في الدراسة على أنه تضحية في سبيل الكرة، إن الاستعداد الشخصي هو الذي يحدد مصير الإنسان، فإن الطالب يستطيع أن يجمع بين المذاكرة واللعب والتمرين لمدة ساعتين أو ثلاثة في اليوم مثلاً، بل والمفروض أن تساعده الرياضة في زيادة مقدرته على التحصيل، ولكن الذي يحدث هو أنه عندما نكون في سن التلمذة يبلغ بنا الطيش الحد الذي يعمينا عن المسؤولية ويبعدنا عن الاتزان، مثلا بعد الانتهاء من التمرين في النادي يجد الإنسان نفسه في وسط مجموعة من الزملاء تتجه لتستريح على موائد الأصدقاء وتبدأ الجلسة دائماً بفنجان من الشاي وسرعان ما نستسلم لخيوط الحديث وكلام السمر أو عشرة طاولة ونتناسى ما ينتظرنا من مذاكرة في البيوت، فالواقع أننا نتذرع بالكرة للهروب من الدراسة».

لم يلتفت «صالح»، إلى الدراسة في مدرسته الجديدة، كما كانت الحال في المدرسة القديمة، إذ أنه لم يحضر طول العام إلا حصة واحدة في الرياضة، ولكنه كان يذهب إلى المدرسة قبل المباريات فقط.

مع انتهاء صيف 1948، عادت أسرة صالح سليم من الإسكندرية إلى القاهرة، وعاد «صالح» إلى النادي الاهلي، وكان مختار التتش، ينهي تدريبات اللياقة بسباق 400 متر بين اللاعبين، وبعد صعوبة بالغة في بادىء الأمر، تمكن «صالح» من اللحاق بزملائه في السباق، ومنذ ذلك الوقت بدأ يحظى بالكثير من اهتمام «التتش».