كيف سار السادات بدون السوفييت؟
للجواب عن هذا السؤال أعود إلى النص، والنص المقصود هو كتاب موردخاى بار- أون وعنوانه «بحثاً عن السلام». كان السادات فى البداية قلقاً من احتمال عودة الدور السوفيتى بعد طرده الخبراء العسكريين السوفييت فى 17 يوليو 1972، وسبب قلقه مردود إلى أن الرئيس الأمريكى جيمى كارتر يريد إحياء مؤتمر جنيف الذى كانت ترعاه القوتان العظميان أمريكا والاتحاد السوفيتى، ومن ثم فقد قرر نسف ذلك المؤتمر وإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وهذا هو السبب الذى من أجله أرسل نائب رئيس الوزراء حسن التهامى إلى المغرب فى بداية سبتمبر 1977 للالتقاء سراً بموشى ديان الذى كان فى حينها مرشحاً لوزارة الخارجية فى حكومة بيجن، وذلك من أجل ردم الهوة بين مصر وإسرائيل، إلا أن اللقاء لم يكن موفقاً فى إنجاز هذا الردم كحد أقصى ولا حتى فى تضييقها كحد أدنى، فقرر السادات أن يتولى بنفسه ردم الهوة، وذلك بأن يلتقى مباشرة ببيجن، خاصة أنه كان على معرفة بأن بيجن لديه رغبة فى هذا اللقاء المباشر. ومن هنا فاجأ السادات الكل فى خطابه الذى ألقاه فى مجلس الأمة فى 9 نوفمبر 1977 بأنه مستعد للذهاب إلى القدس ليناقش شروط السلام. وقد فوجئ بيجن أيضاً بالرغم من أنه كان قد دعا السادات للحضور إلى القدس، إذ أمضى أربعة أيام لدراسة هذا التحرك الجسور. وفى 13 نوفمبر من نفس ذلك العام أرسل دعوة رسمية للرئيس المصرى للحضور إلى القدس لإجراء مباحثات حول سلام دائم بين إسرائيل ومصر.
وفى مساء 19 نوفمبر هبط الرئيس السادات على أرض مطار اللد بإسرائيل. وفى يوم 20 نوفمبر ألقى خطاباً فى الكنيست كرر فيه طلبه بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضى التى احتلتها فى عام 1967 ومنح الفلسطينيين حقهم فى تقرير المصير. أما بيجن فقد ذكر فى خطابه مطلب إسرائيل «بحدود آمنة»، وهو تعبير مهذب عن رفض الانسحاب لحدود ما قبل 1967 مع رفضه إقامة دولة فلسطينية.
وهكذا بدا لموشى ديان أن رؤيته المتشائمة لها ما يبررها فى تباعد المواقف بين مصر وإسرائيل. ومع ذلك فإن الحالة النفسية للشعب الإسرائيلى كانت متسمة بالبهجة بسبب إعلان السادات «لا حروب أخرى ولا مزيد من إراقة الدماء». وبسبب ذلك الإعلان خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين لتحية السادات وهو يمر بسيارته فى شوارع القدس وتل أبيب. ومن هنا يمكن القول إن زيارة السادات للقدس لم تكن مجرد ثورة فى سياسة الشرق الأوسط إنما كانت أيضاً ثورة فى وعى الإسرائيليين بأن السلام ممكن.
والمفارقة هنا أن السادات واجه هجوماً ضارياً وشرساً من بلدان العالم العربى بلا استثناء، وكان مبرر هذا الهجوم أن السادات يضمر تفاوضاً مباشراً من أجل معاهدة سلام منفرد. ومن هنا طلب السادات من إسرائيل تسريع المفاوضات ليزيل هذا الهجوم. أما إسرائيل فكانت على الضد من ذلك رافضة لمطلب التسريع حتى يتوارى الربط بين المفاوضات المصرية والمفاوضات العربية. ومن هنا بدأ تشاؤم ديان يطل مرة أخرى عندما قال لوزير الخارجية المصرى بطرس بطرس غالى إن إصرار مصر على ربط المفاوضات المصرية الإسرائيلية بالقضية الفلسطينية من شأنه دفع المفاوضات إلى طريق مسدود. وبالفعل لم تمض أسابيع قليلة حتى كان هذا الربط مهدداً لمسار السلام الذى كانت بدايته زيارة الرئيس للقدس.
والسؤال إذن:
ماذا قيل عن مسار السلام بعد ذلك؟