المدعى العام السابق للمحكمة: «الجنائية الدولية» تستطيع ملاحقة قادة «داعش» (حوار)

كتب: علا عبد الله ‏ السبت 02-05-2015 12:36

عرفه العالم العربى بأنه أول رجل يستصدر مذكرة اعتقال بحق رئيس عربى، وهو الرئيس السودانى عمر البشير، لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى دارفور، فيما عرفه العالم بأنه مساعد المدعى العام للجنة الوطنية فى الأرجنتين، الذى استطاع محاكمة 3 رؤساء سابقين فى بلاده عام 1985، ضمن محاكمته لـ 9 من كبار العسكريين لارتكابهم عمليات قتل جماعى.

إنه المدعى العام السابق للجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، الذى وصفته مجلة «أتلانتك» الأمريكية بـ«المفكر الشجاع».

وفى حواره مع «المصرى اليوم» خلال تواجده فى مصر للمشاركة فى تدشين مؤسسة «العدالة أولًا» فى ليبيا، تحدث أوكامبو عن رؤيته إزاء توثيق جرائم الحرب فى ليبيا، وعن موقفه إزاء التغيرات الإقليمية فى المنطقة.

وفيما يلى نص الحوار:

■ فى إطار مشاركتك فى إطلاق مبادرة «العدالة أولاً»، وهى الأولى من نوعها فى توثيق جرائم الإرهاب والحرب بليبيا، كيف ترى الوضع فى البلاد حالياً فى ظل تعقد الأوضاع وتزايد الميليشيات المسلحة على الأرض؟

- الشىء الجيد فى ليبيا، رغم تعقّد الأوضاع فى البلاد، أن الليبيين مصيرهم بأيديهم وحدهم الآن، وهذا هو التغيير الحقيقى، فعندما ذهبت إلى ليبيا للمرة الأولى فى أكتوبر 2011، فى أول يوم عمل للمجلس الانتقالى الليبى، كان الجميع سعداء، وكانت الفرحة تعم البلاد.

فأنا أعتقد أنه حان الوقت لإيقاف العنف فى ليبيا، خاصة أن مجلس الأمن يدفع فى هذا الاتجاه، لذا على الليبيين تنظيم أنفسهم، فهم وحدهم الذين يستطيعون ذلك، لأنهم يعرفون جيداً من يغذى الإرهاب فى البلاد.

وعلى هذا الأساس، يسعدنى أن التقى بكبار قيادات القبائل، كى نبحث معهم كيفية اعتمادهم على النظم التقليدية (العُرفية) لديهم لتغير الوضع الحالى. فالعائلات وشيوخ القبائل يمكنهم وقف أبنائهم عن ارتكاب الجرائم، فهذه هى الطريقة المثلى والمبدئية لإيقاف العنف، فعلى هذه القبائل أن يتعاملوا مع المجلس الوطنى والبرلمان فى طبرق، حتى يكون هذان الكيانان السياسيان أكثر كفاءة، ولدىّ أمل فى أن ذلك ممكن.

■ ولكن، هل ترى أن الحكومة والبرلمان قادران فى ظل هذه الظروف على ملاحقة «أمراء الحرب»، كما تصفونهم، المتورطين فى ارتكاب أعمال العنف والإرهاب؟

- الخطوة الأولى فى ملاحقة «أمراء الحرب» هى عدم السماح لهم بأن يكونوا جزءاً من العملية السياسية، فلا يجب أن نكافئهم، لا يمكن أن نكافئ من يسرقون الموارد الليبية ويدمرون الشباب والصغار فى ليبيا. فـ«أمراء الحرب» المتورطون فى الإرهاب أو المتهمون بارتكاب جرائم ضد الإنسانية يجب أولًا ألّا يكونوا جزءاً من حكومة وحدة فى ليبيا.

ثم تأتى هنا الخطوة الثانية، وهى الوقوف على سبل محاكمتهم، فيجب، فى المقام الأول، أن نضمن استبعادهم من أى حكومة وحدة؛ لأنهم سوف يسيئون استخدام الحكومة ويسيطرون على السلطة فى البلاد، وهو الأمر الأسوأ.

■ وكيف يمكنك مساعدة الليبيين فى توثيق جرائم الإرهاب ومحاكمة المسؤولين عنها؟ وكيف سيكون ذلك مفيداً للبلاد مستقبلاً؟

- أساعد السلطات الليبية (البرلمان والحكومة) حالياً على الالتزام بمسؤوليتهم وممارسة سلطتهم فى هذا الشأن فى ليبيا، من أجل تحقيق العدالة والسلام فى ليبيا. فتوثيق الجرائم مفيد جداً فى استبعاد أمراء الحرب من حكومة الوحدة، ومن مفاوضات الأمم المتحدة، خاصة بعدما أقرت مؤخراً عدم السماح لمرتكبى جرائم ضد الإنسانية أو من يدعمون الإرهاب أن يكونوا طرفاً فى الحكومة، ومن يدعم الإرهاب.

فجمع المعلومات فى هذا الصدد له تأثير أساسى فى تسهيل مهام الأمم المتحدة فى استبعاد المجرمين، فأنا أسعى من خلال توثيق المعلومات المتاحة حول جرائم الإرهاب لاستبعاد هؤلاء المجرمين من الكيانات السياسية، لنرى بعد ذلك كيف يمكن للعدالة الوطنية فى ليبيا أن تعاقبهم أو حتى الجنائية الدولية.

■ كيف سيتم إدراج ما تطلق عليه مبادرة «جرائم الإرهاب» ضمن الاختصاصات الثلاثة للجنائية الدولية (جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب)؟

- على سبيل المثال، أعمال الإرهاب يمكن أن تُصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية، فتشريد نحو 200 ألف من قبيلة «ورشفانة» الليبية، يعد عملاً إرهابياً وجريمة ضد الإنسانية، ولقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، إلى ذلك. فالمسؤول عن هذه الجريمة لابد أن يُستبعد من المفاوضات ويُحاكم من قِبَلِ المحاكم الليبية الوطنية، وفى النهاية من الجنائية الدولية.

فأى إرهابى يرتكب جريمة ضد الإنسانية يمكن محاكمته بل ويجب محاكمته، ولا يكون طرفاً فى أى عملية سياسية.

■ أرى أنك تُصرّ بشكل كبير على عدم اشتراك مرتكبى الجرائم فى أى نظام حكم بشكل عام، ولكن الواقع يفيد بأن معظم الدول التى تحدث فيها تغيرات سياسية عنيفة، غالبا ما يشارك «أمراء الحروب» فى بناء نظم الحكم الجديدة، دون أى تفعل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن شيئاً تجاه ذلك؟

- نعم، هذا صحيح، لذا علينا أن نُغيّره، فالمسألة معقدة، ولكن علينا أن نمضى فى سبيل تغيير هذا الوضع، وليبيا بالنسبة لى، فيما يتعلق بمسألة توثيق الجرائم ومحاكمة القيادات، حالة لابد أن تسود فى كثير من الدول، فعلينا أن نستغل اللحظة التى اتحد فيها العالم إزاء الثورة الليبية، ويجب على طرابلس أن تثبت أنها الأفضل، فعلينا ألا نفشل فى ليبيا.

■ هل معنى ذلك أنك تحاول أن تحقق فى ليبيا ما لم تستطع أن تفعله فى السودان، عندما لم تستطع اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير عام 2008؟

- دورى الآن مختلف، فعندما كنت مدعياً عاماً فى المحكمة الجنائية الدولية كنت أركز على المحاكمة وأوراقها فى المقام الأول، أما الآن فأنا التقى قيادات القبائل وأعضاء البرلمان كى أساعدهم فى التقدم فى عملهم، عندما كنت فى منصبى كنت لا أستطيع أن أفعل ذلك فى السودان.

فأنا أركز حالياً على سير التحقيقات الخاصة بالمحاكمات، وتقديم معلومات لمجلس الأمن لضمان استبعاد هؤلاء الذين ارتكبوا جرائم إرهابية. ففى الماضى، لم يكن فى مقدورى ذلك، فدورى كمدعٍ عام كانت له أبعاد محددة.

■ معنى ذلك أنك تشعر بالمزيد من الحرية والتفاعل مع الأحداث الآن عما كنت مدعيًا عامًا فى الجنائية الدولية؟

- نعم، حاليًا أستطيع الالتقاء بعدد أكبر من القوى الفاعلة فى العالم، فعلى سبيل المثال، ألتقى حالياً مع قادة القبائل والعائلات وأعضاء البرلمان، للتنسيق بينهم على نحو أفضل، فيما مضى لم أكن أستطيع فعل ذلك.

■ كيف ترى فوز البشير بولاية رئاسية خامسة مؤخراً، بعد دورك الكبير فى ملاحقاته واستصدار مذكرة اعتقال بحقه عندما كنت مدعياً عاماً للجنائية الدولية، رغم أنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن؟

- رغم فوزه سيظل البشير رئيسًا هاربًا، وسوف يأتى بالتأكيد الوقت الذى يواجه فيه العدالة. فالوضع فى دارفور كان أصعب من ليبيا بكثير، إذ إن الضحايا فى السودان لم يحظوا بحماية المسؤولين فى بلادهم، كما تجاهلتهم القيادات الدولية، وهو عكس ما حدث فى ليبيا. فالوضع فى دار فور كان أكثر تعقيداً، للأسف ما حدث أمر مخزٍ. حقاً، لا أفهم كيف يشعر البشير بالفخر وهو لا يستطيع أن يضع قدميه فى 122 دولة حول العالم (الدول الأطراف فى الجنائية الدولية) حتى لا يتم القبض عليه.

■ يرى الكثيرون أن إفلات البشير من العقاب تقع مسؤوليته على الدول العربية التى ساندته وانتقدت إدانته، فضلًا عن تواطؤ الحكومة السودانية معه.

- المسؤولية الأكبر فى إفلات البشير من العقاب، تقع على عاتق سياسة الرئيس باراك أوباما فى المنطقة، لقد استخدمت الولايات المتحدة ورقة إدانة البشير للضغط عليه ليوافق على تقسيم السودان وانفصال جنوب السودان، وانتصرت فى ذلك، وانفصل الجنوب وتجاهلت واشنطن جرائم الإبادة. فالحقيقة كان ذلك أسوأ ما حدث، ويليه ما فعلته الدول العربية. فتطبيق العدالة فى العالم لا يتعلق بالقضاة فحسب، وإنما التأثير الأكبر تتحمله القوى الفاعلة التى تدير العالم.

وسأضرب لكِ مثالاً بكوت ديفوار، فعندما أرادت القوى الفاعلة فى العالم معاقبة مجرمى الحرب هناك، تم سجن الرئيس وتحركت البلاد إلى الأمام، فلقد لعبت هذه الدول دوراً أفضل، هو ما آمل أن يحدث فى ليبيا، وأتمنى أن تسير على نهج كوت ديفوار.

■ بإشارتك إلى سياسة أوباما فى التعامل مع البشير، هل تعتقد أن أوباما يعتمد على «سياسة المساومة» مع القادة «الديكتاتوريين» فى المنطقة، ما كان سبباً فى تدهور المنطقة فى السنوات الأخيرة؟

- علينا أن نُغير كيفية إدارة النزاعات والصراعات فى العالم، خاصة فى المنطقة العربية، فلقد أخطأت الولايات المتحدة عندما شنت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 حربها ضد الإرهاب فى المنطقة، واستخدمت تكتيكات الحرب، فإنفاذ القوانين تجاه الإرهابيين كان يمكن أن يتم دون ذلك.

أعتقد أنه يجب على الأمريكيين إعادة التفكير فى سياساتهم، لأن ما يفعلونه يُدمر السمعة الطيبة للأمريكيين فى المنطقة، فعندما كنت أعمل فى الولايات المتحدة كانوا لا يعلمون مدى سوء استخدامهم تكتيكات الحرب لمواجهة الإرهاب.

■ لنتحدث عن الشأن المصرى.. فقد أثير مؤخراً مسألة لجوء بعض قيادات الإخوان المسلمين إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد النظام الحاكم فى البلاد، وتم رفض دعواهم، فما تعليقك؟

- المحكمة رفضت الدعوى لأن مصر ليست طرفاً فى الجنائية الدولية، فهى لم تصدق على نظام روما الأساسى، فالمحكمة لا تنظر فى قضية محالة من أشخاص فى دولة ليست طرفاً فى المحكمة الجنائية، إلا فى حالة إحالة مجلس الأمن القضية للمحكمة كما حدث فى دارفور وليبيا.

■ بهذا المنطلق لا تستطيع مصر رفع دعوى ضد قيادات التنظيم الدولى للإخوان لملاحقتهم من الجنائية الدولية؟

- نعم، لا تستطيع دون التصديق على اتفاقية نظام روما الأساسى لتصبح طرفاً فى المحكمة الجنائية الدولية، إلا إذا لجأت إلى مجلس الأمن وأحال القضية.

■ هل تعتقد أنه إذا صدقت مصر على اتفاقية نظام روما وأصبحت طرفاً فى الجنائية الدولية، يمكنها أن تلاحق مرتكبى العمليات الإرهابية؟

- هذا القرار يعود إلى مصر وحدها.. هذا قرار مصر.. قراركم أنتم الشعب المصرى، وعليكم أن تناقشوه.

■ بالنسبة لـ«داعش» كتنظيم موجود فى كثير من الدول، هل تعتقد أن القاهرة يمكنها مقاضاة أمراء التنظيم على جرائمهم؟

- يمكننا ملاحقتهم قضائيا، لكن الموضوع لا يتعلق بالقضاة، فالأهم هنا دور الزعماء الدينيين، فعليهم أن يناقشوا ما هو الإسلام الحقيقى، فالدور هنا ليس قضائيا فحسب، إذ إن دور رجال الدين أكبر فى هذا الصدد، ليس فى العالم العربى فحسب، وإنما فى الغرب أيضا، فمن المهم إعادة التعريف بالإسلام.. فلا تسمحوا لـ«داعش» بالسيطرة على العالم العربى.

■ ننتقل إلى فلسطين، كيف ترى قرار انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية فى يناير الماضى؟

- بالنسبة لى، القرار الفلسطينى قرار قيادى عظيم، فلقد لجأوا إلى مسار آخر وهو استخدام القانون فى إدارة الصراع. وأعتقد أن على العالم العربى أن يتفهم أهمية أن يضع حدوداً للقوة المفرطة التى تستخدمها بعض الدول، وأن يفكر فى إعادة بناء العلاقات بين الدول العربية من جديد. فعلى العالم العربى أن يتجنب اندلاع الحروب بين الدول العربية، خاصة أنه يمر بلحظة يعيد فيها تعريف سياساته، وعليه أن يتعلم أن يدير الصراعات والنزاعات بالقواعد القانونية، وبالنسبة لى فلسطين هى البداية فى هذا الصدد.

■ من وجهة نظرك، كيف يمكن أن تستفيد فلسطين من آليات «الجنائية الدولية»، ليس فقط فى توثيق الجرائم بحق الفلسطينيين، ولكن محاكمة القادة الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم حرب؟

- الفلسطينيون يتعلمون بالفعل كيفية استخدام القانون لتحسين موقفهم على الساحة الدولية، وكما قلت إن تحقيق العدالة لا يعتمد على الجنائية الدولية وحدها، وإنما على دور القوى الفاعلة فى العالم أيضا. فقد قلت للفلسطينيين: إذا أردتم المحكمة الجنائية الدولية، فعليكم بالحصول على الاعتراف بكم كدولة من الأمم المتحدة، وبالفعل ذهبوا إلى الأمم المتحدة وحصلوا على الاعتراف، ولذلك عندما توجهوا للجنائية، قبلوا انضمامهم لأنهم دولة.

فلسطين تعلمت كيف تضغط، والدليل أنه بعد انضمامها اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكى باراك أوباما لمدة نصف ساعة، ليعرف منه ما العمل، وكيف سيتعاملون مع ذلك.

الفلسطينيون والإسرائيليون يتعلمون الآن كيف اللعب ضمن الإطار القانونى، إسرائيل نفسها بدأت تجرى تحقيقات داخلية حالياً، بدلاً من أن تجد نفسها أمام التحقيقات الدولية، فأنا أعتقد أن المستقبل سيشهد تغييرات كثيرة فى هذا الشأن.

■ ألا ترى أن الاعتماد على القوى الفاعلة فى العالم للمساعدة فى إنفاذ القانون يُعقد فكرة الملاحقة والمعاقبة على الجرائم، فعلى سبيل المثال، هل تعتقد أن أمريكا يمكن أن تسلم مجرم حرب إسرائيليا مطلوبا للجنائية الدولية وهو على أراضيها، رغم أنها غير مجبرة على ذلك لأنها ليست عضواً فى المحكمة؟

- أولاً، لقد سلمت الولايات المتحدة بالفعل اثنين من أمراء الحرب فى أوغندا ورواندا للجنائية الدولية، لكن القضية الكبرى بالنسبة لى هنا هى استبعاد مجرمى الحرب من السلطة أو أى نظام حكم، فإذا تم توجيه الاتهام لشخص ما بارتكاب جريمة ما لا يمكن أن يكون جزءاً من الدولة، وهنا يأتى دور الاعتماد على القوى الفاعلة، التى منها الصحافة، للتوعية والمطالبة بذلك.

■ لكن على سبيل المثال، إذا صدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو كمجرم حرب، هل سيتم اعتقاله من الجنائية؟

- يمكن ذلك، ولكن لا يوجد قضية ضده حتى الآن، فيكفى أنه لن يستطيع أن يسافر إلى 122 دولة حول العالم (الدول الأعضاء فى الجنائية الدولية) وإلا سيتم القبض عليه.. سيكون معزولاً إلى حد كبير. ولكن تذكرى أننا نغير حاليا تقاليد تحكم العالم منذ 500 عام، وتواجهنا انتكاسات فى إطار تحقيق ذلك، ولكننى آمل أن نتعلم من فلسطين كيف تسعى لحماية نفسها بالقانون.

■ هل تعتقد أن الدول العربية ترفض التصديق على الجنائية الدولية حتى لا يكون حكامها وقاداتها تحت طائلة القانون؟

- ربما، ولكننى أعتقد أن الدول العربية بدأت تعى حالياً كيف يمكن للحلول القانونية أن تساعد فى حل الأزمات، فالسنوات الخمس المقبلة ستكون مختلفة؛ لأن التغيير الحالى فى العالم العربى يجبر القادة العرب على أن يتعلموا أن يأخذوا الأمور على محمل الجد حتى فى علاقاتهم مع بعضهم البعض. فأنا أعتقد أن هناك نموذجاً جديداً سيظهر فى العالم العربى، وعلى الجميع أن يستفيد منه.

■ هل لاتزال متفائلا تجاه تحقيق كل ذلك، رغم ما تشهده المنطقة العربية حالياً من صراعات وأزمات؟

- نعم أنا متفائل، دعينى أروِ لكِ شيئاً، ففى عام 1985، كنت أحاكم قائد بلادى فى الأرجنتين، رغم صعوبة الوضع وتعقيده حينها فى البلاد. وزار وقتها الرئيس الإيطالى ساندرو برتينى بلادنا، وسأله أحد الصحفيين نفس سؤالك.. لقد قال له الصحفى: هل أنت متفائل تجاه ما حدث فى الأرجنتين؟، فرد قائلاً إنه «لابد أن نكون متفائلين دائماً، فمنذ 40 عاماً كنت فى السجن، عندما كان موسولينى يحكم إيطاليا، والآن أنا رئيس لإيطاليا، لذا تأكد أن دائما هناك أملا».

■ يتساءل كثيرون لِمَ لم تفكر فى ملاحقة مجرمى الحرب المتورطين فى حرب العراق وحربى غزة عامى 2008 و2012، عندما كنت مدعياً عاماً، رغم تاريخك فى ملاحقتهم فى أفريقيا؟

- أنا لست المدعى العام للعالم وإنما للدول الأطراف فى الجنائية، فلا يمكننى التدخل فى العراق، لأنه غير قانونى، دون طلب من مجلس الأمن، كما أن فلسطين لم تكن دولة حينها، فأنا كمدع عام لا أطبق ما أعتقده وإنما أطبق القانون، ومحكوم بتنفيذ قواعده.

■ إذن هل تعتقد أن القيود القانونية للجنائية الدولية مقيدة لسلطات المدعى العام فى ملاحقة مجرمى الحرب؟

- لا يمكن أن يفعل المدعى العام شيئا خارج إطار القانون، فلابد أن يحترمه، ولكن الناس يجب أن تتعلم استخدام القانون لتطبيق العدالة، كما فعلت فلسطين بالذهاب إلى الأمم المتحدة، فعلى القيادات فى العالم أن تستخدم القانون لحل نزاعاتها وليس سياسة الاغتيالات.

■على الرغم من أن نظام المحكمة الجنائية لا يقاضى سوى الأفراد فإن الدول، خاصة غير الأطراف فى المحكمة، دائما تقف عائقاً فى محاكمة الأفراد المتهمين؟

- أوافقك الرأى، ولكن الواقع حولنا يؤكد أن العالم تنظمه الدول، وعلينا فإن المجتمعات المختلفة لها مصالح مختلفة. فأنت على حق أن بعض الدول يسيطر عليها ديكتاتوريون، ولكن فى نفس الوقت هناك البعض الذين يحاولون تغيير هذا، وهذه هى معركتنا القادمة الكبيرة.

فالشعوب لديها حقوق فى جميع دول العالم المختلفة، ولكن كما ترين العالم العربى معقدا جداً، ويجب التعامل بحرص إزاء التغييرات فيه، إذ إن التخلص من الديكتاتوريين فى هذه الدول يحتاج رؤية منظمة لإدارة الأمور فى البلاد بعدهم وإقرار النظام، وهو أمر معقد، كما حدث فى ليبيا.

■ كان لك دور فى محاكمة المستبدين، وقضيت 10 سنوات كمدعٍ عام، فما تصورك فى تفعيل الجنائية ودورها فى إقرار القانون لمحاكمة مرتكبى الجرائم؟

- لكل قضية ظروفها، فهو طريق طويل ليس له نهاية، فإما نكسب جولة ونستمر، أو نخسر جولة ونناضل من أجل الاستمرار أيضا، فإذا عدنا للماضى قليلاً، سنجد أن إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش كانت مستاءة من عملنا فى الجنائية الدولية وحاولت تدميرنا، ولكن بعد عدة سنوات، وقبل أن أترك منصبى كانت روسيا وأمريكا والصين مجتمعين على التدخل فى ليبيا.

فالعالم يتغير، صحيح أن هناك عقبات كثيرة، ولكن هذه هى الحياة فعليك أن تناضل من أجل الحرية فى كل يوم، إذا أردنا الحرية فلابد أن نناضل من أجلها. فالنضال مستمر، والنضال يجب أن يبدأ من التربية، فلقد أعجبتنى الأم التى صفعت ابنها فى بالتيمور الأمريكية كى تأخذه من طريق العنف، فنحن نحتاج مثل هؤلاء الأمهات فى ليبيا، بل نحتاج الكثير منهن حول العالم ليصفعن أبناءهن ويبعدنهم عن طريق العنف، وتقول له: «اذهب لمنزلك».

■ لننتقل للأزمة فى سوريا.. كيف يمكن محاكمة مرتكبى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فى ظل هذه المأساة التى تشهدها البلاد؟

- مسألة سوريا تحتاج خطوات أكبر من مجرد إلقاء الطائرات القنابل على سكان البلاد، فهناك حرب بالوكالة بدأت هناك ولا تزال مستمرة وندفع ثمنها الآن. فالوضع فى سوريا ليس منفصلاً عن العالم العربى، فكل الصراعات متصلة ببعضها فى المنطقة، فهناك سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر. فنحن نحتاج إلى استراتيجية جديدة فى التعامل مع هذه المسألة، وأتمنى أن تأتى هذه الاستراتيجية من العالم العربى وليس العالم الغربى، لذا على الدول العربية أن تكون ذكية وتفكر خارج الصندوق ويكون لديها جيل جديد.