الحِرص على مصر هو أهم أوجاع الكويتيين

سعد الدين ابراهيم الجمعة 01-05-2015 21:24

بدعوة كريمة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، قضيت فى هذا البلد العربى الشقيق أسبوع عمل (11-17/4/2015). وهو تقليد تحرص عليه تلك المؤسسة، دورياً، لكل من حصلوا على جوائزها فى العلوم الاجتماعية والاقتصادية، وكنت قد حصلت على الجائزة منذ ثلاثين عاماً (1985). كما يحرص مدير مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، عالم الطبيعة النابه، د. عدنان شهاب الدين، أن يجعل من زيارة الحاصلين على الجائزة مُناسبة للتواصل والحوار مع الجماعة الثقافية الكويتية، وكذلك مع أبناء الجاليات العربية الذين يعملون بالكويت (حوالى مليون وافد).

ولم تكن هى الزيارة الأولى أو الوحيدة للكويت. فقد سبق أن زرت الكويت أكثر من عشر مرات خلال الأربعين سنة الأخيرة، تعرفت خلالها على عشرات المثقفين والأكاديميين الكويتيين، وأصبح كثيرون منهم أصدقاء أوفياء ـ فى مقدمتهم د. حسن الإبراهيم، وزير التعليم الأسبق، ود. محمد الرُميحى، عالم الاجتماع ورئيس تحرير مجلة العربى، العتيدة، خلفاً للصحفى والمُفكر المصرى المعروف أحمد بهاء الدين، وكذا الاقتصادى الكويتى، عامر التميمى، الذى زاملنى أثناء دراستى فى الولايات المتحدة، وانتُخب معى فى نفس السنة، لقيادة منظمة الطلبة العرب، وعضو مجلس الأمة الأسبق، د. عبدالله النبارى. كما جددت علاقتى وصداقتى للشاعرة النابهة، وعالمة الاقتصاد، د. سُعاد الصباح، التى سأكتب مُراجعة لآخر مؤلفاتها عن تاريخ الكويت والرعيل الأول الذى ساهم فى بناء الدولة والمجتمع، والذى بفضله ولدت الكويت ديمقراطية، وظلت رائدة لبقية بُلدان الخليج، منذ استقلالها عام 1960، وإلى تاريخه.

ولكنى أريد تخصيص ما تبقى من حيز لهذا المقال الأسبوعى للحديث عن آخر حواراتى مع نُخبة من أبرز أبناء الكويت، والتى ضمت جيلين من السياسيين ورجال الأعمال والأكاديميين الكويتيين، على مأدبة غداء، فى آخر أيام زيارتى وعلى امتداد ثلاث ساعات وجّهوا لى عشرات الأسئلة عن الأوضاع فى مصر، والمنطقة العربية، والعالم. وقد وجهت لهم بدورى سؤالا واحدا، إجابة كل منهم على حدة، وهو: ما هو الهم الكويتى الرئيسى الذى تودون أن يعرفه المصريون؟

ولدهشتى الشديدة، كان الهم الكويتى الأكبر، كما عبّر عنه كل منهم بطريقته الخاصة هو مصر، والقلق على مستقبل مصر، والرغبة القلبية الصادقة لدعم مصر.

ومما قاله كبار السن من الثلاثين كويتياً الذين شاركوا فى حوار الساعات الثلاث، أنهم مدينون لمصر وللمصريين بتعليمهم، حيث قام بالتدريس لهم معلمون مصريون، أو أنهم تلقوا تعليمهم الجامعى فى جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى.

كذلك مما قاله بعضهم إن الكويت مدينة لمصر بالحفاظ على كيانها واستقلالها مرتين. أولهما، حينما هددها الرئيس العِراقى عبد الكريم قاسم، بعد الثورة العِراقية على النظام الملكى الهاشمى، (1961). والمرة الثانية، حينما هددها مُستبد عِراقى آخر، هو صدام حسين (1990). ففى المرتين وقفت مصر وقفة باسلة مع استقلال الكويت، سواء من خلال جامعة الدول العربية، أو من خلال الأمم المتحدة والتحالف الدولى. وقد أشار إلى ذلك أيضاً، الأستاذ جميل مطر فى مقاله الأسبوعى بصحيفة الشروق، منذ أيام (16/4/2015).

وجدير بالتنويه أنه حينما تحدث عدد من أفراد النُخبة الكويتية عن الهم الأمنى فى الخليج، من جراء الطموحات الفارسية المُتجددة فى السيطرة على الخليج، والتى بدأت صراحة، جهاراً نهاراً، فى عهد الشاه محمد رضا بهلوى، فإنها استمرت بغطاء دينى إسلامى، فى عهد آية الله روح الله الخومينى (1979) إلى آية الله روحانى. وهنا أيضاً استحضروا دوراً مصرياً رئيسياً لاحتواء تلك الأطماع، والحفاظ على عروبة وكيان البُلدان الستة لمجلس التعاون الخليجى (السعودية ـ الكويت ـ قطر ـ البحرين ـ الإمارات ـ عمان).

فلا يخفى أن العمالة الآسيوية، غير العربية، أصبحت تفوق فى أعدادها ونسبتها المئوية سُكان تلك البُلدان من المواطنين. من ذلك أن العمالة الهندية والنيبالية والباكستانية والفلبينية، وصلت فى بعضها إلى أكثر من سبعين فى المائة. ورغم أن تلك العمالة مازالت إلى تاريخه مُسالمة راضية بأجور أقل، وبظروف عمل غير مواتية، وبلا أى حقوق تقريباً، إلا أنه إن آجلاً أو عاجلاً ستُطالب هذه العمالة بحقوقها الإنسانية، وخاصة تلك التى تكفلها مواثيق ومُعاهدات العمل الدولية.

ولم تكن صُدفة أنه بسبب أحداث اليمن، والتهديد المُتزايد لجماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، تم تحريك بعض قطع الأسطول الإيرانى إلى بحر العرب وبالقرب من مضيق باب المندب، الذى يُمثل عُنق زجاجة بالنسبة للملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس. ولوّحت كل من الهند وباكستان باحتمال إرسال بوارج ومُدمرات إلى نفس المنطقة. كذلك من المعروف أن الهند، الآن، تملك حاملات طائرات.

كل تلك الاعتبارات كانت ماثلة فى خلفية، ثم فى أمامية مُناقشات الإخوة والرفاق الكويتيين، والإلحاح على وجود مصرى فى الخليج. وحينما سأل بعضهم عما إذا كان الرأى العام المصرى مُهتماً أو حتى مُتابعاً لما يحدث فى الخليج، كانت إجابتى: أننى غير مُتأكد من ذلك. وكانت هذه الإجابة حافزاً لبعض من شاركوا فى غداء العمل، أن يقترحوا زيارة عمل لمصر يلتقون فيها مع الصحافة ووسائل الإعلام، والمراكز البحثية، للحوار، وتبادل وجهات النظر، والتوعية بالمخاطر التى تُهدد بُلدان الخليج العربى، أرضاً، وبشراً، وثقافة، واستقلالاً.

ومن جانبى، وعدتهم باستضافتهم، فى رواق ابن خلدون، (كل ثُلاثاء)، وترتيب ندوة لهم فى صحيفة «المصرى اليوم»، إذا حضروا إلى مصر بالفعل.

اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد

وعلى الله قصد السبيل