الاستراتيجية الإثيوبية وغياب الرؤية المصرية

هاني رسلان الأربعاء 29-04-2015 21:21

أشرنا فى الأسبوع الماضى إلى عرض موجز لوثيقة السياسة الخارجية الإثيوبية التى تم نشرها فى 7 يونيو 2000، حيث تشرح الوثيقة خطة السلطة الحاكمة فى أديس أبابا، الساعية لتحويل إثيوبيا إلى دولة مهيمنة تقوم بدور ضابط الأمن والاستقرار فى القرن الأفريقى وحوض النيل، وتشرح الوثيقة كيف ينبغى تفتيت الصومال والحيلولة دون إعادة توحيده، وكذلك دفع إريتريا إلى التفتت إلى كانتونات عرقية وإثنية، مع إبقاء جيبوتى أسيرة للتعاون والارتباط مع إثيوبيا. كما أشارت الوثيقة أيضا إلى ضرورة تغليف كل هذه التحركات بقشرة من الادعاء بمساندة التحول الديمقراطى وحق تقرير المصير هنا وهناك، لتحقيق النفوذ والتفوق عبر التدخل لإدارة الصراعات الناجمة عن ذلك، وتقديم إثيوبيا للغرب باعتبارها القوة التى يجب التعامل معها لرعاية المصالح وحفظ التوازن.

كما أشرنا إلى أن الوثيقة تنظر إلى مصر باعتبارها العدو والخصم الأساسى الذى ينبغى التحوط له، ومنعه من أى محاولة للتدخل، وأنه يجب تخفيض دور مصر فى أفريقيا، وعدم السماح لها بادعاء أن لها مكونا أو بعدا أفريقيا، باعتبار أن مصر دولة أساسية فى المنطقة العربية، ومن ثم عليها الاكتفاء بذلك، ومنعها من التحرك فى إطار القول بأنها تمتلك هوية متعددة الأبعاد، أو السعى لتوسيع آفاق علاقاتها الاقتصادية الأفريقية. ودفعها إلى الإقرار بالدور المتميز لإثيوبيا فى أفريقيا.

فى نصوص هذه الاستراتيجية تقول إثيوبيا أيضا بأنها سوف تستخدم مياه النيل بكميات كبيرة مما يثير حفيظة مصر، وبالتالى ينبغى التفاوض فى إطار جماعى لحشد دول حوض النيل الأخرى لمصلحة الموقف الإثيوبى وهو ما حدث بالفعل.. ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية قد قطعت أشواطا طويلة على طريق تحويلها إلى واقع، من خلال التفاوض حول ما عرف فيما بعد باتفاقية عنتيبى والآن عبر سد النهضة..

لقد بدأ هذا المسار عبر ما سمى بمبادرة حوض النيل المشتركة، التى سمحت بتجميع وتكتيل كل الأطراف على طاولة واحدة ضد مصر، رغم اختلاف مصالح هذه الأطراف. وقد جرى التفاوض تحت مسميات براقة مثل المنفعة المشتركة وغيرها، فى حين أن جوهر المبادرة المشتركة يقع فى نطاق آخر تماما هو العمل على تحويل المياه من حق إلى سلعة وهو ما قد نعود إليه فى وقت آخر.. انجرت مصر بطريقة تتسم بالغفلة الشديدة عن هذه المخططات (المعلنة) فى عملية تفاوض طويلة، انتهت بوضع مصر فى زاوية ضيقة والتصديق المنفرد من جانب دول المنابع على الاتفاقية.

مناسبة هذا الحديث أن بعض الأطراف فى المؤسسات المصرية الفاعلة الآن فى أزمة سد النهضة تكرر نفس الأخطاء وتتعامل مع الأزمة الحالية، بنفس النهج السابق الذى أنتج كل الأوضاع البائسة التى تهدد مصر الآن تهديدا شاملا.. ولا أدرى كيف يمكن التسليم بخنق مصر وحصارها بهذه الطريقة، فى الوقت الذى لا تمتلك فيه إثيوبيا أى قوة حقيقية لإسناد مخططاتها للهيمنة، وإذا كانت الظروف الحالية غير مواتية لإيقاف بناء السد، فليس هناك أدنى مانع من إعلان فشل التفاوض، وتأجيل الرد المصرى إلى وقت لاحق.