ذات يوم كان زاهى حواس مطلوباً.. لا لشىء فعله، ولا لذنب جناه.. ظلمناه كثيراً قبل الثورة، وبعد الثورة.. اتهمناه فى ذمته، وشككنا فى ثروته.. إلى درجة أن موتورين قالوا إنه «تاجر آثار».. كأنه يكتشف الآثار، ثم يبيعها لحسابه.. هكذا نحن فى الشائعات، أجارك الله.. الآن نكتشف أنه «حارس الآثار» وليس «حرامى الآثار».. خاض معارك كبرى لاستعادتها.. وللأسف حين نجح بالفعل، لم نقل له شكراً!
تحمّل زاهى حواس ما لم تتحمله الجبال.. منعوه من السفر.. وأحالوه إلى الكسب غير المشروع.. منعوه من إلقاء المحاضرات.. حاصروه بالشائعات.. بقى زاهى حواس قيمة كبرى فى علمه.. يعرفه العالم بـ«الفرعون».. ويعرفونه من قبعته الشهيرة.. أصدقاؤه ملوك ورؤساء ونجوم عالميون.. أولاً لأنه متمكن فى علمه.. ثانياً لأنه معتز بمصريته.. ثالثاً لأنه منضبط فى كل ذلك، بحيث تضبط ساعتك عليه فعلاً!
سعدت جداً حين علمت بعودة الآثار المسروقة.. وسعدت أكثر لأن «زاهى» كان وراء ذلك منذ عام 2009.. لا يكلُّ ولا يملُّ.. وأسعدنى أيضاً أن الوزير الدماطى استكمل مسيرته، لاستعادة الآثار المسروقة.. حتى عادت إلى أرضها ومهدها.. يبقى أن ننجح فى عرضها بصورة لائقة.. قبلها حاول «زاهى» استعادة رأس نفرتيتى من ألمانيا، بعد 100 سنة من تهريبه لمتحف برلين.. لم يساوم ولم يتكسب من الحرام!
لا يعرف كثيرون أن زاهى حواس يستطيع أن يأكل فى وعاء من ذهب.. فهو «الفرعون» الذى يعرفه العالم من مشرقه إلى مغربه.. فقد أصبح مثل نجوم السينما فى مجاله.. وكان زاهى دليل الرؤساء من ضيوف مصر.. حتى كانت صورته مع الضيف أهم ما يضعه الرئيس فى أرشيفه.. لكننا ربطنا فى مصر كل ثراء بسرقة، أو بتجارة حرام.. هذه مسألة صعبة.. تمس الذمم وتخرب البيوت، وتمنع من السفر!
ظلمنا زاهى حواس.. لم نستفد منه بدعوى أنه «فلول».. لم نستفد من غيره أيضاً.. العلم لا يعرف «الفلول والطعمية».. بالمقياس نفسه زويل «فلول»، ومجدى يعقوب «فلول»، رموزنا العظيمة «فلول».. للأسف استبعدوه من كل شىء.. مع أننى تصورت أن يضمه السيسى لمجلسه الاستشارى.. مكسب عظيم لمصر.. لأنه واحد من الذين صنعوا القوة الناعمة لمصر.. كافأناه بعد الثورة، بتمزيق هدومه بالشائعات!
على ذكر الفلول.. يُحكى أن حكمدار الإذاعة منع أغانى أم كلثوم، بعد ثورة 52.. مرت الأيام وسأل الرئيس عبدالناصر: إيه الحكاية؟.. مَن أسكت صوت أم كلثوم؟.. قال الحكمدار: أنا، لأنها من النظام البائد.. قال له «ناصر»: بكرة تاخد قوة وتهدم الهرم، لأنه من النظام البائد.. فهم الليثى ناصف المعنى.. وأمر بإذاعة أغانى أم كلثوم.. وأصبح الرئيس يحضر حفلاتها الشهرية، تكريماً لها، ولدورها الوطنى العظيم!
هذه شهادة لله وللوطن.. لا لزاهى حواس، ولا لغيره.. أظنه الآن ليس فى حاجة إلى دفاع، ولا أنا من يدافع عن باطل أبداً.. فقط شهادة، لأننا اتهمنا كثيرين بعد الثورة.. زاهى حواس واحد من هؤلاء.. جاءت استعادة الآثار، لتؤكد نزاهته ووطنيته وطهارته.. وربما يكون هناك مجال لشهادات أخرى، بمشيئة الله!