يزداد تقديرى لوسائط الاتصال المعاصرة وللتطبيقات العلمية والعقول التى ابتكرتها وطورتها وتقفز بها من «ثورة إلى ثورة» إذا جاز استخدام المصطلح.. غير أننى حتى الآن مازلت أحب الإمساك بالقلم وأحن إلى ملمس الورق وأزهو إذا جاءت سطورى واضحة مستقيمة أو «نازلة تشرب» بدرجة بسيطة، وأتذكر دوما كيف علمنى أبى وساهمت أمى ــ رحمهما الله ــ فى تدريبى على الإمساك بالقلم الذى كان آنذاك إما من «البسط» وهو نوع من الغاب، أو القلم الرصاص التقليدى، ولم أنجح فى إمساكه بطريقة سليمة الأمر الذى خلف «كالو»، أى نتوء تليف مع الأيام أعلى إصبعى الوسطى!
ما علينا، لأننى إذا اتجهت للحكى الماضوى فلن أتوقف، ذلك أن «الوسائط» ومنها البريد الإلكترونى والفيس بوك كفلت حالة عالية من الحوار بين مختلف الأطراف، وكم هو خلاق أن يستقبل المرء تعليقات على ما يكتبه عبر البريد الإلكترونى والفيس بوك، أو يتلقى أفكارا لم يتطرق هو إليها ولكن مرسليها توسموا فيه أن يساهم فى نشرها وإثارة الحوار من حولها.
ولقد تلقيت رسالة إلكترونية من الصديق البروفيسور سامح مرقس، أستاذ علم الأشعة بجامعة شيفلد البريطانية وسليل آل مرقس الكرام الذين طالما كنت مع أصدقاء آخرين ضيوفا على منزلهم وبالتالى مائدتهم العامرة فى الأعياد، حيث كان يجلس المربى الفاضل الأستاذ كامل مرقس ونحن من حوله نناقش أدق قضايا الوطن، وكثيرا ما كان صوتنا يعلو إلا واحدا كان وظل وأمسى وأصبح صوته خفيضا هو المهندس نبيل مرقس المفكر الوطنى المعروف!
رسالة الدكتور سامح تحتوى ملخصا لإصلاح نظام الإشراف والمراقبة على الخدمات الطبية فى مصر، حيث يتعرض المواطن المصرى لأمور بشعة لا تتفق إطلاقا مع القواعد المهنية والأخلاقية.
يقول الدكتور سامح إن نقابة الأطباء هى حاليا الجهة المسؤولة عن إعطاء الرخصة لممارسة الطب فى مصر ومسؤولة عن محاسبة الأطباء المرتكبين لأخطاء مهنية.. وفى الوقت نفسه فإن النقابة هى القائمة على حماية الحقوق المهنية للأطباء والدفاع عنهم، وبهذا فإنها تجمع بين دور القاضى ودور المحامى فى الوقت نفسه.. وهذا وضع غريب لا يوجد مثله فى العالم، لأن المواطن المجنى عليه جراء خطأ أو سلوك أو ممارسة أى طبيب لن يطمئن للحصول على حقوقه إذا ما كانت نقابة الأطباء هى المسؤولة عن ذلك، حيث لن يخلو الأمر من مجاملة الطبيب لزميله!
ويقترح الدكتور سامح مرقس أن يصدر تصريح ممارسة الطب عن جهة محايدة تمثل الهيئات العلمية والمجتمع معا، ثم تقوم هذه الجهة بتحديد المعايير اللازمة لكى يصبح الطبيب إخصائيا أو استشاريا فى أى فرع من فروع الطب، إضافة إلى ضرورة أن تحصل كليات الطب على الاعتراف العلمى بها من مصدر مستقل عن النقابة أيضا مثلما هو حادث فى بريطانيا، حيث يقوم المجلس الطبى البريطانى العام بهذه المهمة (British General Medical Council) إضافة لما سبق فإن إعطاء تراخيص للأدوية والأجهزة الطبية لابد أن تكون مسؤولية جهاز علمى مستقل أيضا مكون من الخبرات العلمية المناسبة، مثلما هو معمول به فى النظام الأمريكى FDA، والنظام الأوروبى.
ويشير صاحب الرسالة إلى أن النظام البريطانى يكفل حماية المواطن من أخطاء الممارسات الطبية ويكفل دقة إصدار التراخيص لممارسة المهنة واعتماد الإخصائيين ومتابعة حقهم فى البقاء فى تلك الدرجة عبر إثبات حضورهم دورات تعليمية متخصصة ووفق تقارير التقييم الدورى.. ثم يختم أستاذ علم الأشعة فى الجامعات البريطانية وهو كفاءة مصرية مشرفة، بأنه يتمنى الاهتمام بهذه القضية لحماية المواطن المصرى من أى تجاوزات، سواء فى الخدمات الطبية أو الدعاية الطبية غير المناسبة لشرف المهنة تلك التى يقوم بها بعض الأطباء الذين يروجون لعلاجات لم تثبت كفاءتها!
انتهت رسالة الدكتور سامح ولابد من تعقيب يذهب إلى نقاط محددة هى:
1 – إن علم وخبرة ودور العلماء المصريين فى الخارج ومعهم أى كفاءة متميزة فى أى مجال لابد أن يكون على تماس مع الوطن، وهناك عشرات من العلماء والكفاءات المصرية فى الخارج بدأوا بالفعل يوجهون اهتمامهم لوطنهم الأصلى، وأظنهم وجدوا نقلة بدرجة أو بأخرى فى الداخل تتيح لهم تطوير ذلك الاهتمام.
2 – إن الأوان قد آن وربما فات منذ فترة طويلة لكى يتسع الدور المؤسسى المصرى لاستيعاب تلك الجهود والخبرات، وليس شرطا أن تكون المؤسسة رسمية حكومية وإنما أيضا أهلية تهدف لخدمة المجتمع كمجتمع وليس لحساب جماعة أو طائفة أو اتجاه سياسى، وفى ظنى أن هذا العمل المؤسسى يمكن أن يخدم توجيه جهود العلماء والخبراء المصريين المقيمين أو المهاجرين بالخارج، إضافة إلى تنظيم علاقة بقية المصريين فى الخارج من الموظفين والعمال الذين يسافرون للعمل فى المنطقة العربية أو غيرها، لأن محنة تبدد المدخرات التى يراكمونها مغمسة أحيانا بكرامتهم هى محنة متكررة منذ شركات توظيف الأموال برفع راية الإسلام، وكلنا يذكر مأساة مئات الألوف الذين أودعوا أموالهم فى الريان والسعد وغيرهما وحالات الشلل والموت التى أصابت المئات حسرة على ضياع تحويشة العمر.
وكانت المحنة الأشد خطورة هى تحول مدخرات الملايين إلى حوائط خرسانية ممتدة على الشواطئ من العريش إلى السلوم لا يستخدمونها سوى أيام قليلة طوال العام وتهلكهم صيانتها، فيما كان الأصل الذى اتجهت إليه العديد من دول العالم هو وضع تلك المدخرات الوطنية فى أوعية تنمى الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها وتكفل أرباحا مناسبة لأصحابها، كما تكفل لأبنائهم أسواقا للعمل إذا عادوا إلى الوطن.