قد يبدو هذا المقال متأخراً فى موضوعه واقتراحه فيما يخص النظام الانتخابى الأكثر ملاءمة لانتخابات مجلس النواب القادمة، بعد أن احتدم الحوار وتعددت الخلافات وذهب كل فريق إلى ما رأى أنه الأفضل للبلاد، بينما ظلت الأمور فى الواقع الحقيقى كما هى لم تتحرك قيد أنملة عما كانت عليه منذ انتهاء انتخابات رئاسة الجمهورية. والحقيقة أن بقاء الأمور على حالها، بل وترديها إلى الأسوأ، فيما يخص الانتخابات البرلمانية، كان هو الدافع وراء إعادة طرح هذا الاقتراح بنظام انتخابى، بعد طرحه من حيث المبدأ للمرة الأولى من جانب كاتب هذه السطور فى لجنة الخمسين لصياغة تعديلات دستور 2014، ثم نشره فى مقال غير مكتمل التفاصيل فى هذه المساحة فى نهاية عام 2013.
ويتضمن النظام الانتخابى المقترح خليطاً من الانتخابات بالنظام الفردى ونظام القائمة، وهو يراعى جميع الأبعاد الدستورية التى تضمنتها مواد الدستور أو حملتها أحكام المحكمة الدستورية العليا، وهو يشمل العناصر التالية:
- يكون عدد مقاعد مجلس النواب المنتخبة هو 540 مقعداً، يضاف إليها 27 مقعداً بحد أقصى، تمثل نسبة الـ5% التى أباح الدستور لرئيس الجمهورية تعيينها، وبذلك يصبح العدد الإجمالى للمجلس هو 567 مقعداً.
- يتم تقسيم عدد المقاعد المنتخبة إلى قسمين متساويين، أى 270 مقعداً لكل قسم، بحيث يخصص 50% للمقاعد المنتخبة فى الدوائر الفردية و50% للمقاعد المخصصة للقائمة.
- بالنسبة للدوائر الفردية، تقسم الجمهورية إلى نحو 90 دائرة فردية هى بذاتها مع تعديلات طفيفة آخر دوائر تمت على أساسها انتخابات مجلس الشورى قبل ثورة يناير 2011، وهى دوائر ذات طابع متجانس جغرافياً واجتماعياً ويتم تعديلها لكى تطابق معدلات تمثيل الناخبين والسكان المقررة فى الدستور وأحكام الدستورية العليا.
- يخصص لكل دائرة فردية ثلاثة مقاعد، من بينها واحد مخصص لمرشحى الفئات الست الخاصة الواردة فى المواد 11 و243 و244 من الدستور، بحيث لا يترشح له سوى من تنطبق عليه المواصفات القانونية للمنتمين لهذه الفئات.
- بالنسبة لنظام القائمة، يتم اعتبار الجمهورية كلها دائرة واحدة، يخصص لها 270 مقعداً، يتم ترشيحهم مع عدد مماثل لهم من المرشحين الاحتياطيين فى قائمة قومية واحدة فى هذه الدائرة الواحدة. ويخصص من هذه القائمة عدد 90 مقعداً لنفس الفئات الست الخاصة المشار إليها سابقاً، ويحدد القانون نسبة كل منهم فى القائمة. ويكون تشكيل القائمة متاحاً للأحزاب بمفردها أو للمستقلين وحدهم أو بخليط من الاثنين.
- يكون انتخاب القائمة بالنظام النسبى وبحيث تحصل كل قائمة على عدد من المقاعد مماثل لنسبة ما حصلت عليه من أصوات.
- بهذا يكون تمثيل الفئات الخاصة فى المقاعد الفردية هو 30% منها، وهى نفس النسبة فى القائمة القومية، وهو ما يجعل من تمثيلهم فى البرلمان ككل بنسبة 30% أيضاً، ويحمى هذا التساوى للفئات الخاصة فى المقاعد الفردية والقائمة من أى دفع محتمل بعدم الدستورية.
الملامح العامة السابقة للنظام الانتخابى المقترح لمجلس النواب القادم تقدم حلولاً بعضها يبدو حاسماً لكثير من المشكلات السياسية والدستورية والقانونية التى يمكن أن تصيب المجلس القادم، والبلاد كلها فى حالة استمرار الاقتراحات التشريعية لانتخاباته القادمة فى أفقها الحالى. ولعل من أبرز هذه الحلول التالى:
- من الناحية الدستورية والقانونية، فإن تخصيص نصف المقاعد للنظام الفردى ونصفها للقائمة القومية يحقق مساواة تامة وتكافؤاً كاملاً بين تمثيل أعداد السكان والناخبين لكل مقعد فى النظامين، يستحيل عندها الدفع بعدم دستوريته. كذلك فإن جعل الجمهورية دائرة واحدة لنظام القائمة يزيل أى إمكانية للطعن دستورياً بعدم تكافؤ الفرص والمساواة بين مرشحى قائمة الصعيد وقائمة القاهرة والوجه البحرى المقترحين حالياً، بسبب الاتساع الهائل لمساحة الأولى بالمقارنة بالثانية، مع تساويهما فى عدد المقاعد الـ45 المخصصة لكل منهما.
- من الناحية الانتخابية والسياسية معاً، فإن جعل الجمهورية فى نظام القائمة دائرة واحدة تشمل 270 مرشحاً أساسياً ومثلهم من الاحتياطيين سوف يوقف كثيراً من الهزل الجارى حالياً من جانب بعض القوى السياسية والحزبية التى تريد زيادة عدد القوائم إلى 8 وليكون عدد مرشحى كل منها 15 مرشحاً، مما يمكنها من الترشح فيها منفردة وبدون أى تنسيق أو تحالفات مع القوى الأخرى. والميزة السياسية والانتخابية للقائمة القومية النسبية بهذا العدد الكبير أنها ستجبر جميع القوى السياسية والحزبية المنتمية لثورتى يناير ويونيو على التحالف معاً فى قائمة واحدة، لأن أكبرها لن يملك أن يرشح وحده أكثر من خمس أو سدس العدد المطلوب للقائمة القومية.
- من شأن هذا أن يخلق قائمة قومية ذات طابع سياسى متحالفة أطرافها حول ما يشبه البرنامج والداخلة معاً إلى البرلمان فى تحالف سيتواصل طوال مدته، وهو ما يمكن من توفير دعم للحكومة القادمة بنسبة كبيرة من مجلس النواب، تسمح أولاً بتشكيلها بيسر وتسمح بعد هذا بتفاديها عثرات الانهيار أو سحب الثقة التى يمكن أن يفضى إليها النظام الانتخابى المقترح حالياً بكل تعديلاته.
- من الناحية السياسية سيمكن هذا النظام، ومن خلال القائمة القومية، من تفادى وقوع أغلبية مقاعد البرلمان القادم، عبر غلبة النظام الفردى، فى أيدى المنتمين للنظامين اللذين ثار عليهما المصريون فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، بحيث تظل هذه الأغلبية وبتحالفات القائمة القومية فى يد المنتمين لهاتين الثورتين.
- تكمن فلسفة هذا النظام الانتخابى المختلط المقترح فى أنه يجمع بين أفضل إيجابيات النظامين، فهو من ناحية النظام الفردى يعطى للبنى الاجتماعية والثقافية القائمة فى البلاد حتى الآن فرصتها فى الاختيار، حسبما تعودت عليه طويلا فى الانتخابات البرلمانية. كما أن نظام القائمة القومية ذات الطابع السياسى والفكرى يدفع اهتمامات نفس الناخبين على مستوى الجمهورية إلى مسافة أبعد نحو الفرز والانتماء السياسى والحزبى من اختياراتهم الفردية، بما يمكنهم بعد فترة زمنية ليست بالطويلة من الاختيار فى انتخابات برلمانية أخرى قادمة على أسس أكثر سياسية وحزبية.
إن إعادة طرح هذا النظام الانتخابى لمجلس النواب القادم بتلك الصورة المحددة والمفصلة فى هذا التوقيت يهدف إلى إلقاء حجر كبير فى البحيرة التى لم تعد راكدة، ولكنها امتلأت بالدوامات التى تدور كلها حول نفسها وبذات أفكارها السابقة دون خروج من نفس الصندوق الذى لا يقدم جديداً للبلاد ومستقبلها، بل يضيف تعقيدات وعقبات أكبر أمام هذا المستقبل. إن مستقبل هذا البلد يستحق منا ليس فقط الخروج من مثل هذه الصناديق المغلقة العقيمة، بل وأيضاً تحطيمها والانطلاق لآفاق أرحب من الأفكار والاقتراحات.