أحيت أرمينيا الذكرى المئوية لجريمة الإبادة التى ارتكبتها القوات العثمانية فى مستهل الحرب العالمية الأولى، وتحديداً اعتباراً من عام ١٩١٥، وأسفرت عن إبادة مليون ونصف مليون أرمنى، أو ما يوازى نصف الأمة الأرمينية فى ذلك الوقت، وسيطرت على معظم أرض أرمينيا التى كانت تبلغ مساحتها حولى ٢٥٠ ألف كيلو متر مربع، ولم يتبق للأرمن سوى ٢٩ ألف كيلو متر مربع أقاموا عليها دولة أرمينيا الحديثة التى كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق الخمس عشرة، وأصبحت دولة مستقلة مع تفكك الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، ويبلغ عدد سكانها اليوم حوالى 3.2 مليون نسمة، ويتواجد مثلهم اليوم فى الشتات فى كافة أنحاء العالم.
والحقيقة أن جريمة الإبادة التى ارتكبتها القوات العثمانية اعتباراً من عام ١٩٠٩، وصلت إلى الذروة عام ١٩١٥، عندما دخلت القوات العثمانية مدن الأرمن وقراهم وبدأت فى عمليات قتل على الهوية لكل مكونات المجتمع الأرمنى.
أقامت أرمينيا احتفالات ضخمة بمناسبة مرور مائة عام على جريمة الإبادة، ووصلت الاحتفالات الذروة يومى ٢٤ و٢٥ إبريل الجارى، بدأت الاحتفالات بمؤتمر دولى عن الإبادة ناقش قضية الجرائم التى تقع بحق الإنسانية، وتحديداً جرائم الإبادة، ومنها إبادة الأرمن على يد الأتراك عام ١٩١٥، ولم يكن المؤتمر مقصوراً على قضية الأرمن، بل جرى تناول الموضوع من منظور عالمى إنسانى، وقالوا إن الهدف ليس مجرد إدانة تركيا، ولكن هو العمل على منع وقوع مثل هذه الجرائم مستقبلاً، قالوا إن عدم إثارة جريمة إبادة الأرمن شجع هتلر على ارتكاب جريمة إبادة اليهود، فقد رد هتلر فى ٢٢ أغسطس ١٩٣٩ على من تحفظوا على مخطط إبادة اليهود خشية التعرض للحساب الدولى، قائلاً: «بعد كل ما جرى من يتحدث اليوم عن إبادة الأرمن؟». إذن الهدف الرئيسى الذى وضعه الأرمن للمؤتمر الدولى الذى عقدوه حول الإبادة هو حماية البشرية من تكرار مثل هذه الجرائم، وهو أمر لا يتحقق إلا بالاعتراف والتعويض. وناقش المؤتمر جرائم الإبادة الأخرى التى وقعت فى كمبوديا ورواندا. كان الحضور متنوعاً وغنياً. حضر البابا تواضروس الثانى على رأس وفد مميز وكان الاحتفاء به كبيراً وجلس فى الصف الأول إلى جوار بطريرك روسيا، وكان الوفد الشعبى المصرى ثانى أكبر الوفود المشاركة، فقد ضم ٥٥ شخصية مصرية ما بين سياسية وإعلامية، أكاديمية وثقافية وفنية، وكان للوفد تمثيل فى المؤتمر والاحتفال العالمى الذى جرى صباح الجمعة الماضى، الذى شارك فيه رؤساء روسيا وفرنسا وصربيا وغابت عنه مصر الرسمية أيضاً، فقد حضر ممثلون عن مختلف دول العالم يتقدمهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لم يحضر ممثل للدولة المصرية ولم يشارك السفير المصرى فى يريفان ولا أى شخص من السفارة فى الاحتفال الذى شارك فيه وزراء عرب وممثلون للدول (من الإمارات، الكويت، سوريا، لبنان، العراق).
المحزن حقاً أن التساؤلات كانت كثيرة ومتنوعة عن سبب غياب مصر الرسمية، قالوا لنا إننا كنا نتمنى مشاركة رسمية من مصر على أى مستوى، وإذا كانت مصر الرسمية لا تريد الاعتراف بالإبادة الأرمينية فإن المشاركة فى حد ذاتها لا تعنى الاعتراف بجريمة الإبادة بدليل مشاركة إسرائيل والإمارات والكويت وسوريا وبريطانيا، وأى منها لم يعترف بجريمة الإبادة الأرمينية، فقط كانوا يودون رؤية مصر الرسمية. السؤال الذى يحتاج إلى إجابة واضحة من الحكومة المصرية ومن وزارة الخارجية تحديداً هو: لماذا غابوا؟ هل السبب خشية الغضب التركى؟ أم أن السبب يعود إلى اعتبارات أخرى لا يرغبون فى ذكرها؟ نريد أن نعرف من هو صاحب قرار مقاطعة احتفالات أرمينيا بالذكرى المئوية للإبادة، وعلى أى أسس واعتبارات بنى هذا القرار؟
فى جميع الأحوال خسرت مصر كثيراً من وراء الغياب عن مناسبة كهذه، ولاسيما أن المصريين الأرمن لعبوا دوراً نشطاً فى نقل صورة حقيقية لما جرى فى مصر فى الثلاثين من يونيو، وطلبوا من أشقائهم فى مختلف دول العالم نقل هذه الصورة، كما لعبوا دوراً كبيراً فى إقناع الحكومة الأرمينية بالمشاركة فى مؤتمر شرم الشيخ، فشاركت بوفد مكون من ٢٥ شخصاً برئاسة رئيس الوزراء.