أثارت القضية التى طرحناها فى العدد السابق من «الناشر« بخصوص ترجمة ديوان الشاعرة إيمان مرسال «جغرافيا بديلة» إلى العبرية ردود أفعال واسعة، وجددت إشكالية لم تحسم بعد على الساحة الثقافية، تتمثل فى إمكانية ترجمة الأدب العربى إلى العبرية دون أن يحمل ذلك شبهة التطبيع الثقافى، امتدادا لمعركة أخرى شهدتها الساحة الثقافية مؤخرا حول ترجمة الأدب العبرى إلى العربية،
واتفق معظم وجهات النظر على ضرورة التزام الكاتب والمبدع بالثوابت الوطنية الرافضة للكيان الصهيونى، ومن ثم رفض التعاون أو إقامة علاقات طبيعية معه من أى نوع، إلا أن البعض اختلف حول حجم تلك العلاقات وشكلها وحدودها، فمنهم من اعتبر ترجمات الكتب العربية إلى العبرية تطبيعا، طالما أن الكاتب العربى يعرف ويوافق حتى إن لم يلتزم مع الطرف الآخر بعقد مكتوب أو اتفاق من أى نوع، فيما يرى آخرون أن تلك الترجمات عادية وطبيعية ولا تمثل تطبيعا وإنما رغبة فى معرفة الآخر، ووصفوا تهمة التطبيع بأنها أصبحت فزاعة تستخدم لتصفية الحسابات الشخصية بين المثقفين وبعضهم البعض.
تقول الناقدة فريدة النقاش، رئيسة تحرير جريدة الأهالى، إنها موافقة تماما على ترجمة الأدب العربى إلى العبرية، لافتة إلى أنها لا تجد أى غضاضة فى ترجمة ديوان إيمان مرسال، وتضيف: بصرف النظر عن الصراع الدائر بيننا وبينهم، فنحن نطرح مشروع سلام يحتاج إلى أرضية ثقافية وحضارية تلتقى عليها الشعوب، ولذلك أدعو إلى ترجمة الأدب العربى إلى العبرية بقدر الإمكان عبر مؤسسات وطنية، ليعرف خصومنا أنهم فى مواجهة حضارة وثقافة يستحيل اقتلاعها، وهو ما فعله محمود درويش وعدد من أدباء «عرب 48« حين دعوا مثقفى اليسار الإسرائيلى إلى ترجمة أدبهم للعبرية، وهو ما لا أراه تطبيعا، وإنما التعاقد المباشر هو الذى أعتبره تطبيعا، وأقف ضده إلى أن نجد حلا عادلا وجذريا للقضية الفلسطينية.
ويتفق معها فى الرأى الروائى إبراهيم عبدالمجيد قائلا: لست ضد الترجمة، وإنما ضد الاتصال مع إسرائيل عن طريق العقود أو الحصول على أموال، فالتعامل الشخصى هو غير المستحب، لافتا إلى أن إيمان ليست أول من تترجم أعمالها، بل هناك كثيرون غيرها وعادة ما يحدث ذلك عبر الناشر أو الوكيل الأدبى أو وسيط، وأعتقد أن إيمان لها وضع مختلف، لأنها تعيش فى كندا، ويمكن أن تكون بعيدة بعض الشىء عن الصراع المباشر.
فى حين تقول الكاتبة عبلة الروينى: أنا ضد موقف إيمان، وأرى أنها تتحدث عن «جغرافيا بديلة« وتسقط الجغرافيا الحقيقية، هى تفكر من منطلق فنى وجمالى وبشكل جزئى دون مراعاة السياق العام، وتضيف: الترجمة إلى العبرية أحد أشكال الحوار المرفوض، وتندرج تحت مسمى التطبيع وقبول الآخر، وهو ما يعنى تجاهل سياق عام ملىء بالأحداث العنصرية وجرائم العنف والإبادة، التى تحدث على أرض الواقع، كما أن قبول البعض هذه الترجمة لا يجعلهم مرجعية لآخرين، فالمرجعية الحقيقية يجب أن تنطلق مما يحدث فى الواقع.
وعلى النقيض تماما يرى المترجم الدكتور سليمان العطار، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، أن الترجمة إلى العبرية تعتبر غزوا لإسرائيل، وليست تطبيعا معها، ويقول: المشكلة تكمن فى أننا بمجرد ذكر إسرائيل يسارع البعض بالتلويح بـ«فزاعة التطبيع» فى حين أن ترجمة الأدب بعيدة تماما عن هذا الأمر، بل إن رفض الترجمة يجعلنا نعزل أنفسنا تحت مخاوف التطبيع.
ويؤكد الروائى مكاوى سعيد أن إسرائيل تنقل أدبنا إلى العبرية سواء برغبة الكتاب أو دون رغبتهم، فالموافقة من عدمها لن تمثل فارقا، بل رفضنا ترجمة الأدب العربى إلى العبرية يضعنا فى جزيرة منعزلة، وترجمة ديوان إيمان لا يضعها فى خانة التطبيع، إذ يجب قصر هذه المسألة على الكاتب غير المتصالح مع قضيته، الذى يكتب بشكل مباشر فى اتجاه التطبيع.
ويرى الدكتور صلاح السروى، أستاذ الأدب العربى بجامعة حلوان، أنه يمكن السطو على أعمال الكتاب المصريين وترجمتها إلى العبرية، وفى هذه الحالة لا يمكن أن نلوم الكاتب، أما أن يتطوع كاتب أو شاعر ويجلس مع إسرائيليين ملوثة أيديهم بدماء الشهداء العرب والفلسطينيين منذ 1948 وحتى الآن، فهذا ما أعتبره خيانة كبرى، لأنه تراجع عن الإجماع المصرى والعربى ضد التطبيع الثقافى، الذى يعد أخطر أشكال التطبيع، لأن الثقافة هى المعنية بتشكيل الوعى والضمير والرؤى.
من جهة أخرى يرى الشاعر فارس خضر أن ترجمة الأدب العربى إلى العبرية غير مجدية بالنسبة للكاتب، لأنه فى النهاية سيكون محصورا فى إطار معين، فى مقابل التخلى عن ثوابت أخرى أكثر أهمية بكثير من المكاسب التى سينالها الكاتب،
ويقول: بغض النظر عن إيمان أو غيرها أنا ضد هذا التصرف تماما، فلا يصح باسم الثقافة أن نتجاهل الدماء التى أريقت، نعم أنت كاتب ومبدع، وتحمل مشاعر إنسانية كبيرة وترفض الحدود بين الدول، إلا أن هذا يجب ألا يجعلك تنسى أن هناك عدوا قتل من أبناء وطنك عشرات الآلاف، وما زال يعتدى على الشعب الفلسطينى حتى الآن، ويتابع خضر: ما يغفر لإيمان هو أن تكون الترجمة تمت دون علمها، كان عليها أن ترفض عندما علمت، هى شاعرة جيدة ومتحققة وليست فى حاجة إلى اللغة العبرية.