خيانة الدولة.. وخيانة الجماعة

محمد حبيب السبت 25-04-2015 21:38

أليست المجالس أمانة؟ وهل من الأخلاق أن تفشى أسرارا كنتَ مؤتمنا عليها؟ ولماذا فى هذا التوقيت بالذات تفشى هذه الأسرار، وتعطى الفرصة لأعداء الجماعة وخصومها أن ينهشوا فى لحمها، ويلغوا فى عرضها، خاصة أن البعض من قياداتها فى السجون، وقد نالوا وينتظرون أحكاماً بالإعدام أو المؤبد، والبعض الآخر هارب خارج البلاد؟ أقول: لقد ظللت أكثر من أربعة أعوام ونصف العام لا أتكلم، وكنت أجد لوما شديدا من بعض الإعلاميين على هذا الصمت، على اعتبار أن من حق الرأى العام أن يعلم.. وفى المقابل كنت أجد شتائم وسخائم وبذاءات من بعض المنتسبين للجماعة، لمجرد الحديث عن واقعة معينة تخص فلانا أو علانا.. والحقيقة أنى تأخرت كثيرا، وأشعر بالتقصير فعلا فى حق الرأى العام، إذ كان لابد من إحاطته علما بكل ما كان يجرى فى الجماعة فى وقت مبكر، ليأخذ حذره ويحدد أين يضع مواطئ أقدامه، خاصة بالنسبة لمن يتقدمون لتمثيله فى المجالس النيابية، أو فى رئاسة الدولة.. من حق الرأى العام- وهو يختار- أن يعلم جيدا ما إيجابيات وسلبيات هذه الجماعة، وما الذى يمكن أن يترتب على هذه الاختيارات من نتائج.. إن المتقدم للزواج من فلانة أو علانة، لابد من إحاطة أسرتها علما به، من حيث أخلاقه وأصله وفصله... إلخ. وكما جاء فى الحديث: «اتقوا الله فى حرائركم»، أى بناتكم، فلا يقعن فى أيدى مخادعين أو محتالين أو نصابين، فضلا عن أن الأسر والبيوت يجب أن تنشأ على أسس سليمة وواضحة، فما بالك ونحن نتحدث عمن يقودون دولة، سواء من خلال مجلس نيابى أو سلطة تنفيذية؟ يقال: «أن تأتى متأخرا أفضل كثيرا من ألا تأتى مطلقا».. كان من الممكن أن ألتزم الصمت لو أن الجماعة لم تكذب على الرأى العام، أو تحاول الاستحواذ على كل شىء، أو تبِع فلسطين للعدو الصهيونى فى مقابل الوصول والبقاء فى السلطة، أو تتأله على الشعب من خلال إعلان دستورى كارثى، أو تمارس العنف مع الشعب، أو تقوده إلى هاوية حرب أهلية، أو تحرق وتخرب وتدمر وتتماهى مع فصائل الإرهاب، وتتعاون مع دول أجنبية بهدف الإضرار بالمصلحة العليا لمصر.. ومن ثَمَّ كان لابد أن أتكلم، وأن يعرف الرأى العام كل شىء، فالدولة، كشعب ووطن وحكومة ومؤسسات، أهم وأعظم وأكبر من أى جماعة، والحفاظ عليها- أى الدولة- من أوجب الواجبات.. إن الجماعات تأتى وتذهب، تنشأ وتزول، لكن الدولة هى الباقية.

عندما أصبحت نائبا أول للمرشد كان همى مُنصبا على ضرورة انفتاح الجماعة على الرأى العام وعلى القوى السياسية والحزبية، وأن تكون هياكلها وعملها ونشاطها وفقا للقانون.. كنت أريد أن يعلم الرأى العام عنها الكثير، بما يتيح له الحكم لها أو عليها.. وكان هذا يتسق مع الوظائف الأساسية للجماعة، وهى الدعوية والتربوية والسياسية، والتى يجب أن تتم فى النور وليس فى الظلام، وفى العلن وليس فى الخفاء.. كان أول تحرك أقوم به فى إبريل/ مايو 2004 هو زيارة أحزاب الوفد والعربى الناصرى والتجمع، وكان التخطيط أن أزور كل الأحزاب التى كانت موجودة آنذاك.. كان الهدف إنشاء ما أطلقت عليه «لجنة الخمسين للإصلاح»، تضم ممثلين عن هذه الأحزاب.. وقد وضعت لهذه اللجنة خطة عمل بأهداف ووسائل وآليات وجدول زمنى ونظام للمتابعة، وهكذا.. وقد أغضب استقبال الأحزاب لنا الرئيس الأسبق مبارك، الذى كان يعالج فى ألمانيا، فكلف صفوت الشريف باتخاذ اللازم نحو إفشال هذه اللجنة، وكان أن اجتمعت ثمانية أحزاب بهدف تفويت الفرصة على الإخوان.. وفى إبريل/ مايو 2005، قمت بالاتصال بجميع الأحزاب، علاوة على بعض الشخصيات العامة والرموز الوطنية من أجل وضع تصور للإصلاح، وقد تبلورت الحوارات فى تكوين ما سُمى «التحالف الوطنى من أجل الإصلاح والتغيير».

كان هناك داخل الجماعة من يعارض ذلك ويحاربه.. فمن قائل إن الوقت الذى يمكن أن نعطيه للأحزاب ليس له مردود، وأَوْلَى به أن يُدخر للجماعة، خاصة أن الأحزاب لا أمل فيها ولا رجاء من ورائها، وأن الإصلاح والتغيير سيقوم به الإخوان.. ومن قائل إنه ليس من حق الرأى العام أن يَطَّلع على أى من شؤون الجماعة الداخلية، وإنه لابد من المحافظة على أسرارها فى مواجهة نظام حكم قمعى يتعقب ويلاحق ويطارد أفرادها، وهكذا.. والحقيقة أنه كما كانت بعض قيادات الجماعة تعارض مسألة الانفتاح هذه، كان نظام الحكم أيضا يسير فى نفس الاتجاه، بهدف أن تصبح الجماعة معزولة، وبالتالى يسهل عليه تطويقها وحصارها.. ترتب على هذا أن الجماعة تحولت إلى كتلة مصمتة، منكفئة على نفسها.. وكان هذا يتيح لنظام الحكم: 1- توجيه ضربات انتقائية استباقية لها من حين لآخر، إرباكاً لاستراتيجيتها وتعويقاً لحركتها ونشاطها. 2- تفزيع الرأى العام، المحلى والإقليمى والدولى، من الجماعة، على اعتبار أنها تنظيم سرى. 3- إيجاد فجوة معلوماتية هائلة بين قيادة الجماعة وأفراد الصف، على أساس «أنه ليس كل ما يُعرف يُقال، ولا كل ما يُقال جاء أوانه»، و«أن تكون المعلومة فى حدود الدائرة التى يتحرك فيها الفرد».. وترتب على هذا أيضا عدم وجود شورى حقيقية، وأصبح مكتب الإرشاد هو الآمر الناهى، بل إن المكتب نفسه ارتهن قراراته- من الناحية الفعلية- برأى وإرادة فرد واحد، هو محمود عزت، الأمين العام للجماعة.. وللأسف، كان صهره «عاكف» يقف- بكل صلاحياته- حائلا دون محاسبته ومساءلته، بالرغم من أخطائه القاتلة.. واتساقا مع هذا الدعم المريب من المرشد لـ«عزت»، كان التفاف مجموعة المنتفعين حوله من أمثال مرسى، وبديع، والكتاتنى، وغيرهم.. ولنا أن نتخيل طبيعة النهاية لجماعة بهذا الحجم يتحكم فيها شخص واحد، خاصة إذا كانت قدراته محدودة ومتواضعة.. إن الرئيس المعزول محمد مرسى لم يكن يحكم، لكن من كان يقوم بذلك هو مكتب الإرشاد، أو بمعنى أدق محمود عزت ومعه خيرت الشاطر.. لذا كانت هتافات الجماهير فى ثورة 30 يونيو بسقوط حكم المرشد تعبيراً صادقاً وذكياً عن الحقيقة المؤلمة.