فى الأيام الأخيرة تلقى أردوغان أكثر من صفعة.. لعل أهمها إعلان بابا الفاتيكان وفى حضور الرئيس الأرمينى إدانته للمذابح التى شنتها الخلافة العثمانية ضد الأرمن، ثم قرار البرلمان الأوروبى بأن يتبنى الاتحاد الأوروبى ذات الموقف. ثم قرار جامعة أمريكية بمنح خصمه اللدود جولن جائزة رفيعة. وإضافة إلى ذلك يتصاعد السؤال: لماذا؟ السؤال قديم فالجرائم العثمانية متراكمة وموثقة وكانت محلا لمناقشات واتفاقيات دولية. وقد تحددت أول الأمر فى المادة 61 من معاهدة برلين عام 1878 والتى نصت «يتعهد الباب العالى وبدون أى تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التى تستلزمها المتطلبات المحلية فى الولايات التى يقطنها الأرمن»، لكن هذا الاتفاق ما لبث أن تحول إلى خنجر تم ذبح الأرمن به. فالعثمانيون استخدموه ليصعدوا من تحريضهم على الأرمن معلنين أن الغرب «النصرانى» يدافع عن وجود النصارى كخنجر فى قلب دولة الخلافة العثمانية. فتصاعدت حدة المذابح ليصل عدد الضحايا إلى مائة ألف فى عام 1896، كما تم تهجير آلاف أخرى بهدف إنهاء نفوذ الأرمن فى الأناضول التى تمثل قلب دولة الخلافة. وكانت جرائم الخلافة العثمانية مثار جدال تاريخى طويل، خاصة بعد المذابح التى نظمها وأدارها بنفسه طلعت باشا. ويروى السفير الأمريكى لدى الباب العالى (1913-1916) هنرى مورجينتاو، فى مذكراته، أنه خلال مباحثاته مع طلعت باشا بشأن الأرمن كان «طلعت باشا يزهو بأنهم تخلصوا تقريبا من معظم الأرمن فلم يبق أحد منهم على قيد الحياة فى تبليس وفان وارضروم وأن الحقد الشعبى ضدهم كان بالغ الحدة بحيث توجب القضاء عليهم نهائيا»، ويقول السفير «وقد كررت عليه أنهم قد ارتكبوا بذلك خطأ فادحا سوف يندمون عليه، فأجاب نعلم أننا ارتكبنا أخطاء لكننا لن نشعر بالندم أبدا»، وثمة وثيقة مخيفة تضم معلومات مهمة عن عمليات ترحيل الأرمن فى الفترة 1915-1917 وعنوانها «الكتاب الأسود لطلعت باشا» كتبه محمد باشا، وزيرالداخلية آنذاك، بناء على طلب طلعت باشا. وظلت هذه الوثيقة غير معلومة لأحد حتى سلمتها زوجة طلعت باشا للمؤرخ التركى مراد بردقجى فى عام 1982. وقد نشر بردقجى نص التقرير فى كتاب عام 2008. وفيه كتب محمد باشا مزهوا ومستثيرا لرضاء رئيسه طلعت باشا قائلا «إن معظم الأرمن المقيمين خارج القسطنطينية (حيث يوجد السفراء والإعلاميون الأجانب) قد جرى تهجيرهم وأن أغلبهم قد اختفى من الوجود ويمكن القول إن 90% منهم قد تم تهجيرهم وإن 90% من المهجرين قد قتلوا». ومع ذلك فإن طلعت باشا ممثل الخلافة العثمانية أكد أنه لن يشعر بالندم.
والآن هل نستطيع أن نجد الإجابة الصحيحة عن السؤال لماذا يرفض أردوغان الاعتراف بمذابح الأرمن؟ قال البعض لأنه يخشى من مطالبة الأرمن بتعويضات مالية. وقال آخرون لأنها العنجهية العثمانية. لكن الحقيقة فى اعتقادى أن أردوغان العثمانى الذى أعلن صراحة طموحه «لإقامة خلافة عثمانية حديثة» ومهد لذلك بمطالبه الأتراك بتعلم اللغة العثمانية القديمة ثم ببناء قصر هائل يليق بخليفة المسلمين فى العالم. ثم دفع بأحد المشايخ إلى تلاوة القرآن فى المبنى التاريخى لكنيسة اياصوفيا التى تحولت فى الواقع لمتحف وكذلك تجاهله الضغوط الأوروبية والتهديد بعدم قبوله عضوا فى الاتحاد الأوروبى فهو لم يعد يريد.. لأنه لا يجوز لخليفة المسلمين أن يكون عضوا فى اتحاد دولى للنصارى، إنه الخليفة العثمانى القادم بعنجهيته وعنصريته ووحشيته.
باختصار هو يرفض الاعتذار لأنه «الخليفة العثمانى» القادم وأى اعتذار يعنى الاعتراف بوحشية الخلافة العثمانية ورجالها. بل هو إدانة لفكرة الخلافة ذاتها.