إدوارد.. الزملكاوي ابن «السبع بنات» خدم في الجيش وربط مصر بأرمينيا

كتب: صفاء سرور الجمعة 24-04-2015 14:23

يختلف هذا الرجل عن أغلب المصريين ذوي الجذور الأرمينية في أن تفاصيل حياته، توحي لمستمعها بأنها تكرار لحكاية مصري عادي، فلا اختلاف يظهر واضحًا إلا في الاسم الثاني لصاحب الحكاية، الغريب بعض الشئ عن الأسماء المصرية، والذي يدفع لتساؤل تعرف منه أن هذا الرجل إدوارد مانوكيان، مصري ينتمي للأرمن الأرثوذوكس.

ولد إدوارد منذ 58 عام مضت في الإسكندرية، لعائلة أرمينية يعود أصلها إلى قرية تيكير داغ التركية، وانتقلت من اسطنبول إلى مصر طواعية في مطلع القرن العشرين وقبل ارتكاب المذابح التركية بحق الأرمن، وهذا اختلاف آخر عن بقية أحفاد الأرمن، ليستوطن الجد ومن بعده أبنائه في منطقة السبع بنات، اللبان حاليًا، والتي كانت منذ وقت بعيد أحد نقاط تمركز الأرمن الأرثوذوكس، لقربها من البطريركية، «إحنا من العائلات القديمة المعروفة في الإسكندرية، وكنا بنشتغل في الأحذية، اللي والدي ورث صناعتها عن جدي، إنما بقية أعمامي السبعة كل واحد عمل حاجة معينة، اللي كان موظف بنك واللي عنده محل».

كان الأب هو الوحيد بين إخوته الذي ورث عن والده «الصنعة»، وكان إدوارد وشقيقه الوحيدين الذين اتخذا قرارًا مختلف بخصوص بلدهم مصر «إحنا حوالي 27 ابن خال وابن عم أغلبهم خارج مصر دلوقتي في أرمينيا أو أمريكا، أنا وأخويا اللي قررنا نفضل ولسة مقيمين في مصر حسب شغلنا».

قبل افتراق العائلة، كان لإدوارد وأولاد العم حياة، حوّل تقدم الأعمار تفاصيلها إلى ذكريات يحكيها بلكنة سكندرية «إحنا طَلَعنا زي ولاد الأرمن العايشين في مصر، واتربينا نفس تربية المصريين»، والسبب كان المدرسة «أنا بدأت في مدرسة الأرمن (بوغوصيان) دي لغاية ابتدائي»، يحكي بينما أصابعه تشير إلى مبنى المدرسة الأبيض الذي تبعده أمتار إلى الداخل من حرم البطريركية الذي يقف هو في منتصفه، «وبعدين طَلَعت من المدرسة بتاعتنا وروحت مدرسة انجليزي عادية».

من هنا بدأ الاختلاط واستمر «من وأنا عندي 12 سنة، كان كل زمايلي مصريين صِرف، وكنت بروح أعياد ميلادهم وهما بييجولي، وبنلعب مع بعض كرة قدم وكرة سلة، وكملت لغاية ثانوي عام ودخلت جامعة بعد كده كلية طب»، هذا الاختلاط لم يمحو اختلاف كان يولد أحيانًا مواقف طريفة يذكرها ضاحكًا «كان اسمي التاني مشكلة، يعني لما دخلت الخدمة العسكرية كان اللي يسمعه يقولي (إيه اللي دخلك الجيش؟)، فكنت اشرحلهم إني زي أي مصري معاه بطاقة، لازم ليا خدمة عسكرية».

يوحي اسم «مانوكيان» لدى البعض بالاختلاف، وتمنح إدوارد عادات أغلبها غذائية شعورًا بالخصوصية «عندنا أكلات بتاعتنا أرمينية، ماما وجدتي كانوا بيحضروها في مناسبات زي عيد الميلاد أو عيد شم النسيم، منها كيك بيتعمل بطريقة معينة اسمه (تشوريج)، وكمان فيه (لحم العجين) وده زي الحواوشي المصري بس الفرق إن عندنا الرغيف عليه غطا معين من مجموعة لحمة وخضروات»، وتلك الأكلات لم تبعده يومًا عن المصري «أنا أكتر حاجة بحبه الفول والفلافل، خصوصًا بتاعة المحلات، لأن الطعم ده والريحة دي ماينفعش تعملها، مالهاش حل».

يتذكر إدوارد أيامًا ماضية للإسكندرية، وقت كانت العائلات تتشارك هناك للترفيه خيارات جميلة على بساطتها ومحدوديتها «أماكن الترفيه دلوقتي بقت كتيرة قوي، لكن من حوالي 40 سنة أو أكتر، كنت زي أي طفل أو شاب اسكندراني، عارف أماكن معينة لفسحة العيلة، يا شط سان ستيفانو أو ستانلي، أو سينما (مترو) أو (أمير)».

لم تقتصر «الفسح» على العائلية في الإسكندرية، لأن إدوارد كان طفل محظوظ كفاية لأن يزور قِبلة بني جنسه، أرمينيا «أنا أول مرة زرتها كان عندي 13 سنة، في رحلة نظمتها مدرستنا (باغوصيان) لأوائل الفصول، وقضيت هناك حوالي 40 يوم، كانت أرمينيا وقتها في أيام الشيوعية، تحت الاحتلال السوفيتي، ولما زرتها سنة 1998بعد الاستقلال، كان الفرق شاسع، الدولة متقدمة والناس والشكل مختلفين، هي الآثار اللي مابتتغيرش».

لم تتوقف الزيارات من المصري لبلد الأرمن على المرتين، بعد أن أصبح هو حلقة وصل بين شركة الأدوية التي يعمل فيها مديرًا للتصدير، وبين أرمينيا «عندنا علاقات تجارية مع أرمينيا أنا اللي مأسسها، وعندنا حوالي أكتر من 25 مستحضر طبي متسجلين هناك، فبسافر هناك علشان البيزنس، وفي نفس الوقت بحس بإن هناك حاجة موجودة فيا، لأني بزور اللي احنا كنا بنشوفه في الصور زمان واحنا صغيرين، فلما تشوف الحاجات على أصلها الموضوع بيبقى مختلف طبعًا».

لا يرتبط إدوارد بأرمينيا عن طريق الزيارات فقط، فهو يتحدث بجانب اللغتين العربية والإنجليزية بلٌغة ذلك البلد، خاصة في البيت مع زوجته الأرمينية «لأنها اللغة الأسهل»، كما يتابع صحفها ويستقبل تلفزيون بيته قنواتها الست التي تٌبث عبر «نايل سات» و«هوت بيرد»، إلا أن شغفه الأكبر هو شئ آخر يذكره ضاحكًا «أنا شخصيًا لا بتفرج على عربي ولا أرمنّي، بتفرج على كورة علشان زملكاوي من زمان، من أيام الستينات، حمادة إمام وعمر النور».

لا تتضح مصرية إدوارد ببطاقة هوية أو أداء لخدمة عسكرية أو أكل «فول وفلافل» وتشجيع الزمالك فقط، فالطقوس التي يمارسها في مختلف المناسبات «مصرية خالصة»، ومنها ما يخص الزواج الكنسي، والاحتفال بالمواليد بـ«السبوع» وإن غاب عنه «دق الهون»، وصولاً لدفن موتى الأرمن بنفس الطريقة التي تتبعها أي طائفة دينية في الشرق، بل وإحياء ذكرى الأربعين، تمامًا كالمصريين بالجذور.

لم يشعر إدوارد يومًا أنه أقلية، ليس لتلك الطقوس والعادات فقط، بل لأنه حتى ما يواجهه من مشكلات «هي نفسها مشكلات المصريين، سواء اليومية أو الكبيرة المتعلقة بالإرهاب»، لذا لا يرى نفسه إلا مصريًا يحمل لبلده بالميلاد حبًا وتقديرًا يرجع لأسباب أهمها موقفين تجاه بني جنسه.

يذكر إدوارد لمصر الموقفين «أول موقف إنها كانت من أوائل الدول اللي استقبلت الأرمن الهربانين من المذابح، واللي استوطنوا في بورسعيد وإسكندرية بالذات، وأخدوا الجنسية المصرية وبقوا مصريين، والموقف التاني إن الأزهر، افتى وقت المذابح بحرمانية إبادة أي جنس، اللي هو كان أيامها الأرمن، وده يعتبر موقف كبير، لأن مصر وقتها كانت رسميًا على الأقل تحت سيطرة الدولة العثمانية».