محلب الذى يضيق بأى نقد

عمار علي حسن الخميس 23-04-2015 21:31

صدر رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ضيّق كَسَمِّ الخياط، وحرج كحافة جبل شاهق. فهو لا يقبل النقد، ويطارد كل من يكتب أو يقول عنه شيئا من اختلاف أو خلاف، فما بالنا بالقدح والهجاء، وهو حق ليس لكاتب أو باحث فقط إنما حتى لأى مواطن عادى، تنعكس قرارات وتصرفات محلب على حياته.

لا يدرك محلب ما قاله ابن حزم قبل قرون «من يعمل بالعموم يتصدق بنصف عرضه»، فيريد للكل أن يمدحوا ما يقول، على خفته، وما يفعل، على عفويته، إذ لا خطة مدروسة بعناية، ولا تصور محكم، إنما سياسات على طريقة «المضاربات» فى البورصة، ووفق قانون «دعه يكسب دعه يمر»، وحضور جسدى طاغ فى أماكن العمل، كما يفعل أى مهندس أو ملاحظ دؤوب، لكن هذا يصلح لإدارة «المقاولين العرب» ومن على شاكلتها أكثر مما يصلح لإدارة دولة، تحتاج إلى من يفكر ويدبر ويقود فريق عمل ويدير ويختار من الرجال الأكفاء الذين ينهضون بالخطة الموضوعة، والسياسة المرسومة.

محلب يسير عكس حركة التاريخ، فما يفعله يصلح لزمن آخر حين لم يكن العالم قد شهد ثورة رهيبة فى الاتصالات، جعلت بوسع فرد يجلس فى مبنى بشارع قصر العينى أن يتابع كل شىء على شاشة صغيرة أمامه، ويدير اجتماعا من المحافظين ورؤساء مجالس الإدارات بـ «الفيديو كونفرانس» ويأتى بأى مسؤول على هاتفه المحمول فى أى مكان يكون.

سيقول قائل: «الخطة لا يضعها محلب، فالرجل ينفذ ما يضعه رئيس الجمهورية من سياسات، وهو مسؤول عن التنفيذ وليس عن التفكير»، لكن مثل هذا القول يثير الضحك والاشمئزاز فى آن، فهل قامت ثورتان من أجل أن يظل رئيس الوزراء مجرد سكرتير لرئيس الجمهورية كما كان سائدا أيام مبارك؟ ولماذا لا يتصرف محلب على أساس الصلاحيات التى منحها إياه الدستور، ويحميها الشعب؟

مثل هذين السؤالين إن أثارهما أحد أو سخر أو أبدى مخاوفه أو أظهر حنقه حيال ما يجرى، سيغضب السيد محلب، ويضغط على أرقام هاتفه ليطلب صاحب الجريدة أو صاحب القناة الفضائية ليشكو إليه كل من غمز فى قناته، أو اعترض على سياساته، وهذا ما جرى معى، أو هكذا أظن، وبعض الظن ليس إثما.

فبعد أن أعلن المشير عبدالفتاح السيسى عن نيته فى الترشح للرئاسة كنت أتحدث فى أحد البرامج التليفزيونية التى تعاقدت معى على تحليل الأحداث عما إذا كان من الأفضل أن يستمر محلب رئيس وزراء أم يبحث السيسى عن شخص آخر حين يصير رئيسا للجمهورية، وكان رأيى وقتها أن السيسى لم يمارس السياسة من قبل لا فى حزب ولا فى الشارع ولا فى ركاب الحركات الاجتماعية والمدنية، ويحتاج رئيس وزراء لديه خبرة سياسية، وهو ما لا يتوفر فى محلب، وقلت «محلب مقاول شاطر لكنه ليس رجل سياسة، والمرحلة تحتاج إلى من لديه خلفية سياسية، فهذا بوسعه أن يوظف إمكانات التكنوقراط حوله وبكفاءة، وفى الوقت نفسه يصنع سياسات تستوعب الغاضبين وتمنح الأمل وتنظم العمل وتدفع إلى الأمام».

بعدها فوجئت بأن القناة قد فسخت تعاقدها معى، لكننى لم أربط وقتها بين نقدى لمحلب وبين ما جرى، حتى حكى أمامى كاتب صحفى له علاقة جيدة بالسلطة الراهنة عن أن محلب قد شكاه إلى صاحب جريدة لأنه انتقده خفيفا فى مقال له، فسردت على مسامعه ما جرى معى، فابتسم وقال: من المؤكد أنه هاتف صاحب القناة الفضائية أيضا.

إنها مأساة متكررة، فالسيد رئيس الوزراء لا يشكو الكتاب وأصحاب الأقلام والمذيعين إلى رؤساء التحرير ومسؤولى البرامج، إنما إلى أصحاب الصحف والقنوات الفضائية، لأنه يضيق بالنقد، ولا يريد إلا أن يصفق له الجميع على ما يفعله ويقوله، رغم أن كليهما يثير الشفقة والغضب وليس الإعجاب الذى يمنح محلب شيئا من التصفيق والتهليل والإشادة.