«الإعلام والدولة» نقطة ومن أول السطر!

أشرف مفيد الأربعاء 22-04-2015 21:18

كنت وما زلت أعتبر أن مجرد التفكير فى الكتابة عن العلاقة بين الإعلام والدولة مهمة شبه انتحارية لقناعتى الشخصية بأن هذه النوعية من الموضوعات تكون دائما محفوفة بالمخاطر، وقد لا تحمد عقباها، لسبب بسيط وهو أن الدولة نفسها لا تزال تتعامل بنفس الحساسية القديمة مع الإعلام، معتبرة أن من ليس معها فهو ضدها، وقد يصل الأمر فى كثير من الأحيان إلى حد التخوين؛ فيصبح الإعلام الذى ينتقد أداء الحكومة بقدرة قادر فى خندق الأعداء ونجده بالأدلة والبراهين متهماً بتنفيذ أجندات خارجية تستهدف زعزعة أمن واستقرار الوطن.

ولكن ما حدث فى أعقاب نشر صحيفة «المصرى اليوم» ملف (ثقوب فى البدلة الميرى) الذى تناول علاقة جهاز الشرطة بالشعب، قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن وقلب كل تلك الموازين رأساً على عقب، لدرجة أن الدولة ممثلة فى وزارة الداخلية كشرت عن أنيابها- لأول مرة منذ ثورة 30 يونيو- معتبرة، فى بيان رسمى لها، أن صحيفة «المصرى اليوم» قد ارتكبت خطيئة ما كان يجب أن تقع فيها صحيفة كبرى تتصدر المشهد فى بلاط صاحبة الجلالة. فهى صحيفة لها وزنها وليست مجرد صحيفة «نص نص» أو أنها واحدة من تلك الصحف التى تصدر من تحت بير السلم.

فهل ارتكبت «المصرى اليوم» جريمة بالخوض فى هذا الأمر الذى نشأنا وتربينا من قبل على أنه موضوع شائك، علماً بأن من يقرأ الملف بموضوعية شديدة يجده يصب فى مصلحة الشرطة، حيث أظهرتها الموضوعات المنشورة فى الملف باعتبارها الجهاز المظلوم والمغلوب على أمره، والذى يسقط منه كل يوم شهداء فى عمر الزهور وهم يؤدون واجبهم فى حماية الوطن والمواطن، فهل هذا غير كاف فى نظر الدولة لأن تثبت «المصرى اليوم» حسن نيتها حينما تقدم فى المقابل بعض النماذج القليلة عن تجاوزات رجال الشرطة فى حق المواطنين، وهى حالات لم تأت بها الصحيفة من فراغ أو من «خيال صحفييها» وإنما جاءت من واقع ملفات تحقيقات النيابة بل من سجلات قضايا قال فيها القضاء كلمته، وأدان الذين تورطوا فيها من رجال الشرطة وهم فى حقيقة الأمر مجرد قلة قليلة من أبناء الشرطة ولا يمكن بأى شكل من الأشكال أن يشوهوا الصورة المشرقة للشرفاء من أبناء الشرطة الذين قاموا ببطولات حقيقية فى كل مكان على أرض المحروسة.

ملف «المصرى اليوم» وما له وما عليه يضع أمامنا مسألة فى غاية الأهمية وهى العلاقة التى يجب أن تربط بين الإعلام وأجهزة الدولة، ويطرح مجدداً السؤال الأهم: هل الظروف الصعبة التى تمر بها الدولة الآن تفرض أن يغمض الإعلام عينيه عن أية تجاوزات يراها فى مؤسسات الدولة، وهل هناك من ضمانات بأن تلك الظروف لن تتحول مع مرور الوقت إلى مجرد شماعة تستخدمها الدولة وتتمادى فيها لتضييق الخناق على الحريات العامة وتكميم الأفواه وكسر شوكة الإعلام ليصبح تابعاً لها يدور فى فلكها بدلاً من أن يقوم بواجبه فى كشف الفساد وملاحقة المتلاعبين بمقدرات الشعب فى أى جهاز من أجهزة الدولة؟

لست متشائماً وإنما أخشى أن يكون رأس الدولة وهو الرئيس السيسى فى وادٍ بينما أجهزة الدولة تعيش فى وادٍ آخر، وإلا فبماذا نفسر حالة الغضب التى ظهرت عليها الداخلية من مجرد بعض التلميحات عن تجاوزات فى حق الشعب، وذلك بعد أيام قليلة من توجيه الرئيس للأجهزة الأمنية خلال لقائه بالمجلس الأعلى للشرطة وبعض قادة القوات المسلحة بضرورة تنفيذ القانون دون أى تجاوزات فى حقوق المواطنين، وذلك فى إشارة منه بأنه لن يقبل أى تجاوزات فى حق الشعب قد تصدر من بعض أفراد رجال الأمن، خاصة بعد أن تناول الإعلام مؤخراً بعض الحالات الفردية من تلك التجاوزات.

أعتقد أننا فى حاجة ماسة الآن إلى إعادة صياغة العلاقة بين أجهزة الدولة ووسائل الإعلام المسموع منها والمقروء والمرئى،، يعنى ببساطة شديدة علينا الآن أن نضع نقطة ونبدأ فى الكتابة من أول السطر.