استخدمت إسرائيل كرة القدم لغزو أفريقيا، ومحاولة صبغها باللون العبرى، في ظل انشغال مصر بشؤونها الداخلية، وفى سعى لاستغلال الظروف السائدة في الكثير من الدول الأفريقية من فقر وجهل.
توجهت إسرائيل إلى أفريقيا، حاملة بطاقات الأمل والطموح، من خلال سلسلة مدارس لتدريب الأطفال الأفارقة على كرة القدم، واكتشاف الموهوبين منهم، من أجل تحقيق أرباح هائلة من عمليات السمسرة التي تتم عند بيع هؤلاء اللاعبين، فضلا عن مكانة إسرائيل التي يتم غرسها في قلوب هؤلاء الأطفال ووعى اللاعبين الذين يصبحون، دون أن يشعروا، سفراء لإسرائيل في مختلف أنحاء العالم، أكثر من كونهم سفراء لبلادهم.
كانت تلك هي مهمة المدارس الكروية الإسرائيلية في أفريقيا، والتى تعرف باسم «معسكرات حبقوق»، التي تأسست عام 1999، على يد المدرب الإسرائيلى شاءول بن عاموس.
وبحسب كتاب إسرائيلى يحمل نفس العنوان، كتبه صحفيان إسرائيليان هما: نداف لافيد الصحفى الرياضى بجريدة «هاآرتس»، وشمعون يهودا الصحفى الرياضى بجريدة «معاريف» الإسرائيلية، كان بن عاموس لاعبًا لكرة القدم في الأندية الإسرائيلية، ويهوى تدريب الصغار أو الناشئين، إلى جانب عمله الرسمى كرجل أعمال إسرائيلى.
بدأت علاقة بن عاموس بالقارة السمراء من خلال حصوله على ترخيص للتنقيب عن المعادن في دول وسط وغرب أفريقيا. وفى عام 1999 أنشأ أول معسكرات حبقوق لكرة القدم، والذى جعل أعمار اللاعبين فيها لا تزيد على 15 عامًا، وكان المعسكر الأول في مدينة تورورو بالقرب من العاصمة الأوغندية كامبالا.
بدأ هذا المعسكر بـ35 لاعبًا اختارهم بن عاموس بعد أن أقام دورة خماسية لكرة القدم للناشئين، وأنفق عليها من خلال توفير الملابس الرياضية والأدوات والكرات والجوائز المالية. واتفق رجل الأعمال الإسرائيلى على توفير فرص عمل لآباء هؤلاء الناشئين في شركاته مقابل الإبقاء على أبنائهم في المعسكر بصفة دائمة.
وتحول الأمر من مجرد هواية إلى بيزنس أو مشروع اقتصادى كبير، ولم يتردد بن عاموس في تزويده بمدربين وكشّافين من إسرائيل لإدارة مشروعه الذي حقق له عائدًا ماليًا وأرباحًا كثيرة، بعد أن قام بتسويق هؤلاء اللاعبين في الأندية الإسرائيلية.
ويلفت الكتاب إلى أن إدارة هذا المعسكر كانت تحرص على التجهيز الفنى والبدنى وتطبيق النظام والانضباط والالتزام. كما كانت تحرص على تلقين أشبال الأفارقة محاضرات للتعريف بإسرائيل. وبلغ الأمر حد إجبار الصغار على أداء التحية، كل صباح، للعلم الإسرائيلى المرفوع في قلب المعسكر. وهذا بخلاف القمصان والتيشيرتات التي تحمل نجمة داوود وعلم إسرائيل.
وأدى نجاح معسكر حبقوق الأول في أوغندا عام 1999 إلى تشجيع المسؤولين في اتحاد الكرة الإسرائيلى على إرسال الكشافين والسماسرة إلى دول أفريقية أخرى لنشر وإقامة معسكرات حبقوق في الدول الأفريقية، وإن كان الكثير منها لم يعد يحمل الاسم نفسه، وبات يتم تقديمها باعتبارها أكاديميات للتدريب على كرة القدم ودخول عالم الاحتراف.
وكان السمسار اليهودى إسحاق ياءول مسؤولاً عن مجموعة العمل التي أرسلها الاتحاد الإسرائيلى لكرة القدم في كل من أنجولا وزامبيا والجابون، التي توجد بها هذه المعسكرات وتقوم باكتشاف المواهب وتدريبهم فنيًا وبدنيًا وتعليمهم الولاء والانتماء لإسرائيل.
وتنتهى هذه الدورة بتسويق وبيع اللاعبين للأندية الإسرائيلية وغيرها من الأندية في مختلف أنحاء العالم. والدورى الإسرائيلى، الذي يضم 16 ناديا في الدرجة الأولى، يلعب فيه 55 لاعبا محترفا، أغلبهم من نيجيريا والكونغو وليبيريا والكاميرون وغانا وساحل العاج.
ويعد اللاعبون النيجيريين من أكثر الدول تواجدا في الدورى الإسرائيلى، حيث يشارك 14 لاعبا، ويأتى في المرتبة الثانية غانا بـ6 لاعبين.
ولعل من أبرز اللاعبين، الذين تدربوا في معسكرات حبقوق الإسرائيلية، ويليام نجوفو لاعب منتخب زامبيا والمحترف في نادى «ماكابى بيرشيفا»، وفينسينت إنياما حارس مرمى منتخب نيجيريا الذي يلعب حاليًا في نادى ليل الفرنسى ـ وكان محترفا في نادى هابوعيل تل أبيب، وأوستين إيجيدى حارس مرمى نادى «ماكابى بئر سبع» ومنتخب نيجيريا، وجوون أوشانيوا لاعب خط وسط نادى أشدود الإسرائيلى ومنتخب نيجيريا.
وأصبح مجال السمسرة وبيع اللاعبين الأفارقة تجارة رابحة في إسرائيل، لا سيما إذا علمنا أن عمولة السمسار تصل إلى نحو 200 ألف دولار في بعض الصفقات، بينما قد تنخفض إلى حد تكبده تكاليف سفر اللاعب وإقامته في إسرائيل لحين اختباره وقبوله في أحد الأندية الإسرائيلية.
وهناك الكثير من الأمثلة المعروفة في هذا المجال، مثل صفقة انتقال لاعب ليبيريا ديولى جونسون عام 2008، من فريق سولانا السويدى إلى فريق مكابى تل أبيب مقابل 400 ألف دولار.
وهناك السمسار الإسرائيلى الشهير دادا حداد، الذي ذاع صيته بإحضار اللاعبين الأفارقة إلى إسرائيل، ولعل من أبرز صفقاته تلك المرتبطة باسم اللاعب الغانى سامويل يابوا، الذي لعب في إسرائيل مع فريق هبوعيل كفر سابا من 2005 إلى 2008، وكان عمره 19 عاما آنذاك. وانتقل بعدها إلى هبوعيل تل أبيب موسم 2008/2009، ثم لعب في بيتار يروشلايم الإسرائيلى بموسم 2010/2011، وفى نادى أشدود موسم 2011/2012.
كما ارتبط اسم حداد أيضا بلاعب الكونغو آلان ماسودى، الذي لعب لنادى الاتحاد السعودى في موسم 2003/2004، ثم انتقل للاحتراف في إسرائيل، فلعب في نادى بنى سخنين 2004/2005، ثم مكابى ناتانيا 2005/2006، ومكابى حيفا 2006/2007، ثم أشدود 2007/2008، ومكابى تل أبيب 2008.