إشكالية المفاضلة بين إسرائيل وإيران

إبراهيم البحراوي الإثنين 20-04-2015 21:00

أعتقد أننى أترك لدى القارئ بشكل مطرد إحساسا بأننى غير مستعد للمفاضلة بين أطماع التوسع الإسرائيلى في أرض وطننا العربى، تحت شعارات الأيديولوجية الصهيونية من ناحية، وبين أطماع التوسع الإيرانى في أراضينا، تحت شعارات الثورة الإسلامية من ناحية ثانية.

أنا، ببساطة، أتصور أننى إذا اخترت أن أغض الطرف عن الأطماع الإسرائيلية على أساس أن إسرائيل تقاوم المشروع النووى العسكرى الإيرانى الذي يهددنا أيضا، فإننى سأكون كمن يختار أن يسلم نفسه لأنياب الذئب هروبا من فك الضبع. من الناحية الأخرى، لو أننى اخترت أن أغمض العين عن الأطماع الإيرانية‘ على أساس أن إيران ترفع شعار تحرير القدس من إسرائيل، فإننى سأكون كمن يضع جسده بين قواطع الضبع هروبا من الذئب.

المسألة في ذهنى بسيطة وواضحة، وخلاصتها أننى سأقاوم كل من يحاول انتهاك الأرض العربية، سواء جاء يمتطى حصان الصهيونية، أو يعتلى فرس الثورة الإسلامية الإيرانية، أو يمتشق حسام الخلافة العثمانية، أو يرفع راية الاستسلام لأطماع الغرب، تحت شعارات الديمقراطية.

هكذا أتصور أن يكون موقف المواطن العربى غير المحمل بانحيازات منحرفة للنفوذ الخارجى أيا كان مصدره. لقد قلت في مقالى المنشور بـ«المصرى اليوم» يوم الثلاثاء 31 مارس تمشيا مع هذا الموقف بالنص أن على المواطن العربى أن يدرك أنه محاصر بين فكى كماشة، الأول هو الفك الإسرائيلى، والثانى هو الفك الإيرانى، وأن واجبنا هو تعزيز قوة أمتنا العربية اقتصاديا وحضاريا وتكنولوجيا وعسكريا واجتماعيا لخوض حرب طويلة المدى مع فكى هذه الكماشة.

إذن ليس لإشكالية المفاضلة بين إسرائيل وإيران وجود عندى في كتاباتى ولا في ذهنى. إذن لماذا أتحدث عنها؟ إن ما يدفعنى إلى هذا هو أن بعض طلابى في الجامعة أخبرونى أن هناك نقاشا بين الشباب العربى على الفيس بوك، موضوعه من أفضل لأمتنا: إسرائيل أم إيران؟ وطلب هؤلاء الطلاب رأيى في الموضوع.

إننى أعتقد أن صديقى أستاذ علم الاجتماع السياسى د. خالد الدخيل، على حق عندما ذكر في مقاله بصحيفة الحياة يوم الأحد 5 إبريل أن هذه مسألة يروج لها أنصار إيران في لبنان والصحف اللبنانية، ويضعونها في صيغة سؤال يقول: «هل إيران هي العدو أم إسرائيل؟». يلاحظ الدخيل أيضا أن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تبنى نغمة أن هناك من يريد استبدال إسرائيل كعدو بإيران المسلمة. ويرى أن هناك كتابا وسياسيين وخطباء وقوميين وليبراليين ورجال دين في سوريا ولبنان أكثر من غيرهما، يشتركون في هذا التناول.

إذن مصدر صياغة الإشكالية أصبح واضحا أمامنا، ثم تم ترويج الصياغة على الفيس بوك لتنتقل إلى شبابنا. يقول دكتور خالد بالنص «حلفاء إيران في الشام هم الذين فرضوا السؤال. يريدون منه القول إنه يجب التغاضى عما تفعله إيران لأنها ترفع شعار المقاومة والممانعة. لكن ما علاقة المقاومة بزرع وتشجيع الطائفية المدمرة في العراق وسوريا، هل سيؤدى هذا إلى تحرير فلسطين؟ ثم ما هي مصلحة إيران وفلسطين والعالم العربى من تفجير الطائفية وتغذيتها؟».

لقد أحسن الصديق د. الدخيل في بلورة الموضوع بهذه الدرجة العالية من الوضوح. إننى إذ أوجه له التحية، فإننى أضع أمام شبابنا العربى سؤالا يساعدهم في حسم الإشكالية المصطنعة. السؤال يقول: هل إيران مستعدة لتغيير موقفها الطائفى والامتناع عن تحريض إخواننا الشيعة في الأقطار العربية على التمرد على النسيج الوطنى للدولة الوطنية العربية؟ إن علينا أن نلح على هذا السؤال، وهو ليس سؤالا للإحراج والتعجيز، بل هو سؤال استفهامى بحق.

أؤكد لشبابنا أنه لو جاءنا من إيران موقف صادر عن القيادة الروحية والسياسية العليا يرفض النزعة الطائفية الشيعية في الدول العربية، فإننا سنكون جاهزين كعرب للتعامل معها بحسن النية وعلاقات الجوار والأخوة اللازمة.

سأعطيكم مثلا على ما يثير عندى شخصيا القلق من هذه النزعة الطائفية. إنه مثل تحرير تكريت من قوات داعش. لقد تابعنا عملية التحرير التي شارك فيها الجيش العراقى والميليشيات الشيعية والمستشارون العسكريون الإيرانيون الذين يدربون هذه الميليشيات، ويشرفون عليها. بعد تحرير المدينة بدأت الأخبار المؤكدة ترد أن هذه الميليشيات راحت تحرق بيوت السنة، وتقتلهم، وتختطف بعضهم تماما، كما كانت تفعل قوات داعش. بالتالى تصاعدت أصوات قادة القبائل السنية في الأنبار والموصل تطالب بعدم إشراك هذه الميليشيات المسماة ميليشيات الحشد الشعبى في تحرير الأنبار والموصل، خوفا من تكرار فظائعها في تكريت.

هذا مثال طازج، عمره لا يزيد على أيام، ويؤكد سياسة التحريض الطائفى، الإيرانية، وهى سياسة يسجل المراقبون أنها موجودة في العراق وسوريا والبحرين والسعودية واليمن. لقد كنا نشكو من أن مخطط تفتيت الدولة الوطنية العربية الذي نشأ في إسرائيل كفكرة على يد الدبلوماسى (يانون) وتبنته الدول الغربية يستخدم المتطرفين السنة، مثلما نرى في ليبيا الآن لتمزيق الدولة الوطنية. غير أننا نرى اليوم أن هذا المخطط تتم تغذيته أيضا بواسطة سياسة التحريض الطائفى التي تزرعها، وتمارسها إيران.

بهذا أصبحنا أمام فكرة إسرائيلية تحولت إلى استراتيجية لتفتيت الدولة الوطنية في مصر وسوريا والعراق ودول الجزيرة وشمال أفريقيا، تشارك في تطبيقها الدول الغربية والجماعات السنية المتطرفة وأيضا الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران.

كيف تريدوننى، إذن، أن أفاضل بين هذه المصادر للخطر!! أعتقد أنه لا فضل لطرف من هذه الأطراف على الآخر، إلا إذا أوقف معاول الهدم للدولة الوطنية العربية، وخرج من هذا التحالف الشيطانى الصريح أو الضمنى.

info@bahrawy.com