ركز مرصد الفتاوى التكفيرية، بدار الإفتاء، في تقريره السابع عشر، على الصراع الأيديولوجي المحتدم بين التنظيمات الإرهابية، على خلفية حالة الاستقطاب الشديدة بين الحركات والجماعات التي تسمي نفسها بالجهادية في مختلف أرجاء العالم.
وقال التقرير، الصادر الأحد، بعنوان «الصراع بين التنظيمات التكفيرية.. الملامح، الأسباب، التداعيات»، إن الإنجازات التي حققها تنظيم منشقي القاعدة داعش على الأرض أدت إلى إشعال فتيل الحرب بين التنظيمات التكفيرية، لبسط النفوذ على المناطق والجماعات التكفيرية الأصغر التي تنتشر في أرجاء الشرق الأوسط، في ظل السعي الدؤوب للتنظيمات إلى قيادة ما يطلقون عليه بحركة الجهاد العالمي.
اعتمد التقرير، على تحليل مضمون أكثر من تسعين ساعة صوتية لأمراء التنظيمات التكفيرية، وتحليل دقيق لأدبيات التنظيمات من خلال مواقعها الإلكترونية على الشبكة المعلوماتية، موضحًا أن ملامح الصراع بدأت تتشكل في سوريا بعد انشقاق تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة، وإعلانه دولة الخلافة المزعومة ورفض أيمن الظواهري ذلك، وتطور الأمر وبدأ الطرفان في إعلان معارضتهما الفجة لبعضهما، وكذلك ظهرت خلافاتهما الأيديولوجية بشدة، ووصل الخلاف إلى أشده بعد تبادل الطرفين الاتهامات والسباب العلني على المواقع والمنتديات التكفيرية، ووصلت حد تكفير كل طرف للآخر، فقد وصف تنظيم منشقي القاعدة داعش الظواهري بـ«الشيخ الخرف»، واتهم داعش قيادات القاعدة بالانحراف عن المنهج الجهادي، معتبرًا أنها لم تعد تمثل قاعدة الجهاد العالمي، وأن قيادتها باتت معولاً لهدم مشروع الدولة الإسلامية والخلافة.
أشار التقرير، إلى أن رد الظواهري جاء حاسما فقد اتهم داعش بأنها فئة منحرفة ووصفها بعدم الالتزام بأصول العمل الجماعي، وإعلان دول دون استئذان، وأصبحت جبهة النصرة – الموالية لتنظيم القاعدة – تصف تنظيم داعش بأنه جماعة باغية يجب قتالها، بينما يرى أنصار داعش أن النصرة عبارة عن صحوات خائنة.
أضاف التقرير، أن تنظيم داعش يخوض معارك عنيفة مع جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، متابعًا أن المواجهات بين التنظيمين التكفيريين قتل فيها آلاف الأشخاص بعد اتهامات واسعة وُجهت إلى تنظيم داعش بأنه من صنع النظام السوري، ويقوم بـ«تنفيذ مآربه»، وحول أسباب الصراع بين التنظيمين التكفيريين.
أشار المرصد، إلى الخلاف العقدي بين التنظيمين حول عدد من الأمور، منها رؤية كل تنظيم لمن يخالفه في معتقداته وأفكاره التي يرى أنها تمثل الحق المطلق، فتنظيم القاعدة الأم يرى مخالفيه أنهم فاسقون، أما داعش فيرى أنهم كفار ومرتدون ويجب قتالهم.
أوضح التقرير، أن تنظيم داعش تميز عن تنظيم القاعدة بزيادة جرعة الفكر التكفيري، حتى تحول من الفكر الجهادي التقليدي إلى الفكر التكفيري، ما ظهر جليًّا في إسراف تنظيم داعش في القتل تجاه مخالفيه.
وذكر التقرير، أن من بين النقاط الخلافية بين التنظيمات التكفيرية مسألة البيعة، حيث ترى القاعدة أن من حقها الحصول على البيعة من قبل كل التنظيمات الجهادية، لأنها الأولي بأخذ البيعة للخلافة، في حين يرى تنظيم داعش أنه ليس فرعًا تابعًا للقاعدة، وأنه قام بإعلان الخلافة الإسلامية، لذا يجب على قيادة القاعدة وأفرادها مبايعة خليفة المسلمين البغدادي لأنه قرشي.
أشار التقرير، إلى أن تنظيم داعش يتشدد تجاه الطوائف والأديان الأخرى فهم جميعًا كفار ويجب قتالهم وقهرهم، في حين تري القاعدة أنه يجب التفريق بين الطوائف الإسلامية والأديان الأخرى فالطوائف مثل الشيعة والعلويين فعلماؤهم وقادتهم كفار مرتدون، أما عوامهم فلا يحكمون بكفرهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم، أما أصحاب الأديان الأخرى مثل المسيحيين واليزيدين فترى القاعدة أنهم كفار أصليون، ولكن لا يقاتَلون إلا إذا كانوا محارِبين، وما سوى ذلك فيدفعون الجزية، موضحا أن التنظيمات التكفيرية تختلف فيما بينها أيضا حول استراتيجية العدو البعيد والعدو القريب، حيث تركزت حرب تنظيم القاعدة ضد العدو البعيد، الولايات المتحدة وحلفائها، أما تنظيم داعش فيهاجم مباشرة جميع الدول في محيطه العدو القريب، في الدول العربية والإسلامية، ولا يقوم بأية هجمات في أوروبا أو الولايات المتحدة.
أما عن الأسباب اللوجستية للخلاف بين التنظيمين، فقد أكد مرصد دار الإفتاء، أن محور خلاف أعضاء التنظيمين الإرهابيين يدور على مدى التأثير والهيمنة على ما يسمي بالحركة الجهادية العالمية، وعلى التمويل، وعلى إمكانية كسب مقاتلين جدد، وأيضاً على المكانة والهيبة بين صفوف الميليشيات المسلحة، حيث يحاول كل تنظيم كسب المجموعات المحلية لأجندتها الأيديولوجية وإلى حركة الجهاد العالمي.
وفيما يتعلق بتداعيات الصراع بين التنظيمات التكفيرية، أكد التقرير، أن التناحر والخلاف الفكري والعقدي وصراع النفوذ بين التنظيمات من المتوقع أن يحتدم، مع إمكانية تحوّلها إلى مواجهات دموية بين الموالين لتنظيمي داعش والقاعدة خاصة بعد انتهاء العمليات العسكرية لقوات التحالف، ما يعني تحوّل الحرب ضدّ الإرهاب إلى حرب بين الإرهابيين.
وشدد التقرير، على أن السيناريو تكرر في أفغانستان بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد الاتحاد السوفيتي نهاية الثمانينيات، حيث تحول الصراع هناك إلى اقتتال بين صفوف التنظيمات الجهادية، وأدي إلى تفتيت وتآكل الجماعات المسلحة.
واختتم التقرير، أن الصراع المحتدم بين التنظيمات التكفيرية المسلحة لا يوحي بشيء، إلا أن قيادات التنظيمات لا تهتم بما تدعو إليه من شعارات فضفاضة تجذب بها المقاتلين إلى صفوفها، بل إن الشاغل الأكبر لها بسط النفوذ وتتبدل ولاءاتها بحسب تغير المصالح، لا لمن يشترك معها في العقيدة والمبدأ.